مقاييس اللغة — ابن فارس (٣٩٥ هـ)
(عَذَرَ) الْعَيْنُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ بِنَاءٌ صَحِيحٌ لَهُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ، مَا جَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِ وَجْهَ قِيَاسٍ بَتَّةَ، بَلْ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْهَا عَلَى نَحْوِهَا وَجِهَتِهَا مُفْرَدَةٌ. فَالْعُذْرُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ رَوْمُ الْإِنْسَانِ إِصْلَاحَ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ بِكَلَامٍ. يُقَالُ مِنْهُ: عَذَرْتُهُ فَأَنَا أَعْذِرُهُ عَذْرًا، وَالِاسْمُ الْعُذْرُ. وَتَقُولُ: عَذَرْتُهُ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ لُمْتُهُ وَلَمْ أَلُمْ هَذَا. يُقَالُ: مَنْ عَذِيرِي مِنْ فُلَانٍ، وَمَنْ يَعْذِرُنِي مِنْهُ. قَالَ:
أُرِيدُ حِبَاءَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي ... عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادِ
وَيُقَالُ إِنَّ عَذِيرَ الرَّجُلِ: مَا يَرُومُ وَيُحَاوِلُ مِمَّا يُعْذَرُ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلَهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَكَانَ الْعَجَّاجُ يَرُمُّ رَحْلَهُ لِسَفَرٍ أَرَادَهُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا هَذَا الَّذِي تَرُمُّ؟ فَقَالَ:
جَارِيَ لَا تَسْتَنْكِرِي عَذِيرِي
يُرِيدُ: لَا تُنْكِرِي مَا أُحَاوِلُ. ثُمَّ فَسَّرَ فِي بَيْتٍ آخَرَ فَقَالَ:
سَيْرِي وَإِشْفَاقِي عَلَى بَعِيرِي
وَتَقُولُ: اعْتَذَرَ يَعْتَذِرُ اعْتِذَارًا وَعِذْرَةً مِنْ ذَنْبِهِ فَعَذَرْتُهُ. وَالْمَعْذِرَةُ الِاسْمُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف: 164] . وَأَعْذَرَ فُلَانٌ إِذَا أَبْلَى عُذْرًا فَلَمْ يُلَمْ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: عَذَّرَ الرَّجُلُ تَعْذِيرًا، إِذَا لَمْ يُبَالِغُ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ يُرِيكَ أَنَّهُ مُبَالِغٌ فِيهِ. وَفِي الْقُرْآنِ: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ} [التوبة: 90] ، وَيُقْرَأُ: " الْمُعْذِرُونَ ". قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: الْمُعْذِرُونَ بِالتَّخْفِيفِ هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ الْعُذْرُ، وَالْمُعَذِّرُونَ: الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ عُذْرًا. وَقَوْلُهُمْ لِلْمُقَصِّرِ فِي الْأَمْرِ: مُعَذِّرٌ، وَهُوَ عِنْدُنَا مِنَ الْعُذْرِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يُقَصِّرُ فِي الْأَمْرِ مُعَوِّلًا عَلَى الْعُذْرِ الَّذِي لَا يُرِيدُ يَتَكَلَّفُ. وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ، يَقُولُونَ: تَعَذَّرَ الْأَمْرُ، إِذَا لَمْ يَسْتَقِمْ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرٍ الْكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ ... عَلَيَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تَحَلَّلِ
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعِذَارُ: عِذَارُ اللِّجَامِ. قَالَ: وَمَا كَانَ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِنْ كَيٍّ أَوْ كَدْحٍ طُولًا فَهُوَ عِذَارٌ. تَقُولُ مِنَ الْعِذَارِ: عَذَرْتُ الْفَرَسَ فَأَنَا أَعْذِرُهُ عَذْرًا بِالْعِذَارِ، فِي مَعْنَى أَلْجَمْتُهُ. وَأَعْذَرْتُ اللِّجَامَ، أَيْ جَعَلْتُ لَهُ عِذَارًا. ثُمَّ يَسْتَعِيرُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ لِلْمُنْهَمِكِ فِي غَيِّهِ: " خَلَعَ الْعِذَارَ ". وَيُقَالُ مِنَ الْعِذَارِ: عَذَّرْتُ الْفَرَسَ تَعْذِيرًا أَيْضًا.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ. الْعِذَارُ، وَهُوَ طَعَامٌ يُدْعَى إِلَيْهِ لِحَادِثِ سُرُورٍ. يُقَالُ مِنْهُ: أَعْذَرُوا إِعْذَارًا. قَالَ:
كُلَّ الطَّعَامِ تَشْتَهِي رَبِيعَهْ ... الْخُرْسَ وَالْإِعْذَارَ وَالنَّقِيعَهْ
وَيُقَالُ بَلْ هُوَ طَعَامُ الْخِتَانِ خَاصَّةً. يُقَالُ عُذِرَ الْغُلَامُ، إِذَا خُتِنَ. وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ عِذَارُ عَامٍ وَاحِدٍ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعَذَوَّرُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الْوَاسِعُ الْجَوْفِ الشَّدِيدُ الْعِضَاضِ. قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الْمُلْكَ أَنَّهُ وَاسِعٌ عَرِيضٌ: وَحَازَ لَنَا اللَّهُ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى ... فَأَعْطَى بِهِ عِزًّا وَمُلْكًا عَذَوَّرَا
وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ يَمْدَحُ:
إِذَا نَزَلَ الْأَضْيَافُ كَانَ عَذَوَّرًا ... عَلَى الْحَيِّ حَتَّى تَسْتَقِلَّ مَرَاجِلُهُ
قَالُوا: أَرَادَ سَيِّءَ الْخُلُقِ حَتَّى تُنْصَبَ الْقُدُورُ. وَهُوَ شَبِيهٌ بِالَّذِي قَالَهُ الْخَلِيلُ فِي وَصْفِ الْحِمَارِ الشَّدِيدِ الْعَضَّاضِ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعُذْرَةُ: عُذْرَةُ الْجَارِيَةِ الْعَذْرَاءِ، جَارِيَةٌ عَذْرَاءُ: لَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ. وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِمَا مَضَى ذِكْرُهُ فِي عُذْرَةِ الْغُلَامِ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعُذْرَةُ: وَجَعٌ يَأْخُذُ فِي الْحَلْقِ. يُقَالُ مِنْهُ: عُذِرَ فَهُوَ مَعْذُورٌ. قَالَ جَرِيرٌ:
غَمَزَ ابْنُ مُرَّةَ يَا فَرَزْدَقُ كَيْنَهَا ... غَمْزَ الطَّبِيبِ نَغَانِغَ الْمَعْذُورِ
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعُذْرَةُ: نَجْمٌ إِذَا طَلَعَ اشْتَدَّ الْحَرُّ، يَقُولُونَ: " إِذَا طَلَعَتِ الْعُذْرَةُ، لَمْ يَبْقَ بِعُمَانَ بُسْرَةٌ ".
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعُذْرَةُ: خُصْلَةٌ مِنْ شَعْرٍ، وَالْخُصْلَةُ مِنْ عُرْفِ الْفَرَسِ. وَنَاصِيَتُهُ عُذْرَةٌ. وَقَالَ:
سَبِطُ الْعُذْرَةِ مَيَّاحُ الْحُضُرْ وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعَذِرَةُ: فِنَاءُ الدَّارِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْيَهُودُ أَنْتَنُ خَلْقِ اللَّهِ عَذِرَةً» ، أَيْ فِنَاءً. ثُمَّ سُمِّيَ الْحَدَثُ عَذِرَةً لِأَنَّهُ كَانَ يُلْقَى بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ.

مفردات ألفاظ القرآن — الراغب الأصفهاني (٥٠٢ هـ)
العُذْرُ: تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه.
ويقال: عُذْرٌ وعُذُرٌ، وذلك على ثلاثة أضرب: إمّا أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا، أو يقول: فعلت ولا أعود، ونحو ذلك من المقال. وهذا الثالث هو التّوبة، فكلّ توبة عُذْرٌ وليس كلُّ عُذْرٍ توبةً، واعْتذَرْتُ إليه: أتيت بِعُذْرٍ، وعَذَرْتُهُ: قَبِلْتُ عُذْرَهُ. قال تعالى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا﴾ [التوبة : 94] ، والمُعْذِرُ: من يرى أنّ له عُذْراً ولا عُذْرَ له. قال تعالى: ﴿وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ [التوبة : 90] ، وقرئ (المُعْذِرُونَ)(١) أي: الذين يأتون بالعُذْرِ. قال ابن عباس: لعن الله المُعَذِّرِينَ ورحم المُعَذِّرِينَ(٢) ، وقوله: ﴿قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف : 164] ، فهو مصدر عَذَرْتُ، كأنه قيل: أطلب منه أن يَعْذُرَنِي، وأَعْذَرَ: أتى بما صار به مَعْذُوراً، وقيل: أَعْذَرَ من أنذر(٣) : أتى بما صار به مَعْذُوراً، قال بعضهم: أصل العُذْرِ من العَذِرَةِ وهو الشيء النجس(٤) ، ومنه سمّي القُلْفَةُ العُذْرَةُ، فقيل: عَذَرْتُ الصّبيَّ: إذا طهّرته وأزلت عُذْرَتَهُ، وكذا عَذَرْتُ فلاناً: أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه، كقولك: غفرت له، أي: سترت ذنبه، وسمّي جلدة البكارة عُذْرَةً تشبيها بِعُذْرَتِهَا التي هي القُلْفَةُ، فقيل: عَذَرْتُهَا، أي: افْتَضَضْتُهَا، وقيل للعارض في حلق الصّبيّ عُذْرَةً، فقيل: عُذِرَ الصّبيُّ إذا أصابه ذلك، قال الشاعر:
313- غمز الطّبيب نغانغ المَعْذُورِ(٥)
ويقال: اعْتَذَرَتِ المياهُ: انقطعت، واعْتَذَرَتِ المنازلُ: درست، على طريق التّشبيه بِالمُعْتَذِرِ الذي يندرس ذنبه لوضوح عُذْرِهِ، والعَاذِرَةُ قيل: المستحاضة(٦) ، والعَذَوَّرُ: السّيّئُ الخُلُقِ اعتبارا بِالعَذِرَةِ، أي: النّجاسة، وأصل العَذِرَةِ: فناءُ الدّارِ، وسمّي ما يلقى فيه باسمها.

لسان العرب — ابن منظور (٧١١ هـ)

عذر
عذر: العُذْر: الْحُجَّةُ الَّتِي يُعْتَذر بِهَا؛ وَالْجَمْعُ أَعذارٌ. يُقَالُ: اعْتَذَر فُلَانٌ اعْتِذاراً وعِذْرةً ومَعْذُرة [مَعْذِرة] مِنْ دَيْنهِ فعَذَرْته، وعذَرَه يَعْذُرُهُ [يَعْذِرُهُ] فِيمَا صَنَعَ عُذْراً وعِذْرةً وعُذْرَى ومَعْذُرة [مَعْذِرة]، والاسم المعذَرة [المعذِرة](١). وَلِي فِي هَذَا الأَمر عُذْرٌ وعُذْرَى ومَعْذرةٌ أَي خروجٌ مِنَ الذَّنْبِ؛ قَالَ الجَمُوح الظَّفَرِيُّ:
قَالَتْ أُمامةُ لَمَّا جِئْتُ زائَرها: ... هلَّا رَمَيْتَ بَبَعْض الأَسْهُم السُّودِ؟
لِلَّهِ دَرُّكِ إِني قد رَمَيْتُهُمُ، ... لولا حُدِدْتُ، وَلَا عُذْرَى لِمَحْدودِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَورد الْجَوْهَرِيُّ نِصْفَ هَذَا الْبَيْتِ: إِني حُدِدْتُ، قَالَ وَصَوَابُ إِنشاده: لَوْلَا؛ قَالَ: والأَسْهُم السُّود قِيلَ كِنَايَةٌ عَنِ الأَسْطر الْمَكْتُوبَةِ، أَي هلَّا كتبْتَ لِي كِتَابًا، وَقِيلَ: أَرادت بالأَسْهُم السودِ نَظَرَ مُقْلَتيه، فَقَالَ: قَدْ رَمَيتُهم لَوْلَا حُدِدْتُ أَي مُنِعت. وَيُقَالُ: هَذَا الشِّعْرُ لِرَاشِدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَكَانَ اسْمُهُ غاوِياً، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ، ﷺ، رَاشِدًا؛ وَقَوْلُهُ: لَوْلَا حُدِدْتُ هُوَ عَلَى إِرادة أَن تَقْدِيرَهُ لَوْلَا أَن حُدِدْتُ لأَنَّ لَوْلَا الَّتِي مَعْنَاهَا امتناعُ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ هِيَ مَخْصُوصَةٌ بالأَسماء، وَقَدْ تَقَعُ بَعْدَهَا الأَفعال عَلَى تَقْدِيرِ أَن، كَقَوْلِ الْآخَرِ:
أَلا زَعَمَتْ أَسْماءُ أَن لَا أُحِبّها، ... فقلتُ: بَلى، لَوْلَا يُنازِعُني شَغْلي
وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ؛ وشاهدُ العِذْرةِ مِثْلُ الرِّكبةِ والجِلْسةِ قولُ النَّابِغَةُ:
هَا إِنّ تَا عِذْرة إِلَّا تَكُنْ نَفَعَتْ، ... فإِن صاحِبَها قَدْ تاهَ فِي البَلَدِ(٢).
وأَعْذَرَه كعذَرَه؛ قَالَ الأَخطل:
فَإِنْ تكُ حَرْبُ ابْنَيْ نِزارٍ تَوَاضَعَتْ، ... فَقَدْ أَعْذَرَتْنا فِي طِلابكمُ العُذْر
وأَعْذَرَ إِعْذاراً وعُذْراً: أَبْدَى عُذْراً؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَعْذَرَ فلانٌ أَي كَانَ مِنْهُ مَا يُعْذَرُ بِهِ، وَالصَّحِيحُ أَن العُذْرَ الِاسْمُ، والإِعْذار الْمَصْدَرُ، وَفِي الْمَثَلِ: أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ؛ وَيَكُونُ أَعْذَرَ بِمَعْنَى اعْتَذَر اعْتِذَارًا يُعْذَرُ بِهِ وَصَارَ ذَا عُذْرٍ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ يُخَاطِبُ بِنْتَيْهِ وَيَقُولُ: إِذا متُّ فنُوحا وابْكِيا عَلَيَّ حَوْلًا:
فقُوما فقُولا بِالَّذِي قَدْ عَلِمْتُما، ... وَلَا تَخْمِشَا وَجْهاً وَلَا تَحْلِقا الشَّعَرْ
وَقُولَا: هُوَ المَرْءُ الَّذِي لَا خَلِيلَه ... أَضاعَ، وَلَا خَانَ الصديقَ، وَلَا غَدَرْ
إِلى الحولِ، ثُمَّ اسمُ السلامِ عَلَيْكُمَا، ... ومَنْ يَبْكِ حَوْلًا كامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ
أَي أَتى بعُذْر، فَجَعَلَ الاعْتِذارَ بِمَعْنَى الإِعْذارِ، والمُعْتَذِرُ يَكُونُ مُحِقّاً وَيَكُونُ غَيْرَ مُحِقٍّ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: اعْتَذَرَ الرَّجُلُ إِذا أَتى بعُذْرٍ، واعْتَذَرَ إِذا لَمْ يأْت بعُذْرٍ؛ وأَنشد:
وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعتذر أَي أَتى بعُذْرٍ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ، قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ؛ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا
يَعْنِي أَنه لَا عُذْرَ لَهُمْ، والمعَاذِيرُ يَشُوبُها الكذبُ. واعتذرَ رجلٌ إِلى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ لَهُ: عَذَرْتُكَ غيرَ مُعْتَذِرٍ؛ يَقُولُ: عَذَرْتُك دُونَ أَن تَعْتَذِرَ لأَنّ المُعْتَذِرَ يَكُونُ مُحِقّاً وَغَيْرَ مُحِقٍّ؛ والمُعَذِّر أَيضاً: كَذَلِكَ. واعْتَذَرَ منْ ذَنْبِهِ وتَعَذّر: تَنَصَّلَ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فإِنك منها والتعَذّر بعد ما ... لَجَجتَ، وشطَّتْ مِن فُطَيمةَ دارُها
وَتَعَذَّرَ: اعْتَذَرَ واحتجَّ لِنَفْسِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كأَنّ يَدَيْها، حِينَ يُفْلَقُ ضَفْرُها، ... يَدَا نَصَفٍ غَيْرَى تَعَذّرُ مِنْ جُرْمِ
وعَذَّرَ فِي الأَمر: قَصَّر بَعْدَ جُهْد. والتَّعْذِيرُ فِي الأَمر: التقصيرُ فِيهِ. وأَعْذَرَ: قَصَّر وَلَمْ يُبالِغ وَهُوَ يُرِي أَنه مُبالِغٌ. وأَعْذَرَ فِيهِ: بالَغَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلى مَنْ بَلَغ مِنَ العُمْرِ سِتِّينَ سَنَةً؛ أَي لَمْ يُبْقِ فِيهِ مَوْضِعًا للاعْتِذارِ، حَيْثُ أَمْهَلَه طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَعْتَذِر. يُقَالُ: أَعْذَرَ الرَّجُلُ إِذا بَلَغ أَقْصى الغايةِ فِي العُذْر. وَفِي حَدِيثِ المِقْداد: لَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِليك
أَي عَذَرَكَ وجَعَلَك موضعَ العُذْر، فأَسْقَط عَنْكَ الْجِهَادَ ورَخّصَ لَكَ فِي تَرْكِهِ لأَنه كَانَ قَدْ تَناهَى فِي السِّمَنِ وعَجَزَ عَنِ الْقِتَالِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: إِذا وُضِعَت المائدةُ فلْيأْكلِ الرجلُ مِمَّا عِنْدَهُ وَلَا يَرْفَعْ يَدَهُ وإِن شَبِعَ ولْيُعذِرْ فإِن ذَلِكَ يُخَجِّلُ جَلِيسَه؛ الإِعْذارُ: الْمُبَالَغَةُ فِي الأَمر، أَي ليُبالِغْ فِي الأَكل؛ مِثْلُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
إِنه كَانَ إِذا أَكَلَ مَعَ قَوْمٍ كانَ آخرَهم أَكْلًا؛ وَقِيلَ: إِنما هُوَ
وليُعَذِّرْ
مِنَ التَّعْذِيرِ التَّقْصِير أَي ليُقَصِّرْ فِي الأَكل لِيَتَوفَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ ولْيُرِ أَنه بالغَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
جاءَنا بطعامٍ جَشْبٍ فَكُنَّا نُعَذِّرُ؛ أَي نُقَصِّر ونُرِي أَننا مُجْتَهِدُونَ. وعَذّرَ الرَّجُلُ، فَهُوَ مُعَذّرُ إِذا اعْتَذَرَ وَلَمْ يأْت بِعُذرٍ. وعَذَّرَ: لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عُذْرٌ. وأَعْذَرَ: ثَبَتَ لَهُ عُذْرٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ، بِالتَّثْقِيلِ؛ هُمُ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ وَلَكِنْ يتكلَّفُون عُذْراً. وَقُرِئَ:
المُعْذِرون
بِالتَّخْفِيفِ، وَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ عُذْرٌ، قرأَها ابْنُ عَبَّاسٍ ساكنةَ الْعَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَكَذَا أُنْزِلَت. وَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ المُعَذِّرِينَ. قَالَ الأَزهري: ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلى أَن المُعْذِرينَ الَّذِينَ لَهُمُ العُذْر؛ والمُعَذِّرِينَ، بِالتَّشْدِيدِ: الَّذِينَ يَعْتذِرون بِلَا عُذْرٍ كأَنهم المُقَصِّرون الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ، فكأَنَّ الأَمرَ عِنْدَهُ أَن المُعَذِّرَ، بِالتَّشْدِيدِ، هُوَ المُظْهِرُ للعُذْرِ اعْتِلَالًا مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ لَهُ فِي العُذْر وَهُوَ لَا عُذْرَ لَهُ، والمُعْذِر الَّذِي لَهُ عُذْرٌ، والمُعَذِّرُ الَّذِي لَيْسَ بمُحقٍّ عَلَى جِهَةِ المُفَعِّل لأَنه المُمَرِّض والمُقَصِّر يَعْتَذِرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ الأَزهري: وقرأَ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ وَحْدَهُ:
وَجَاءَ المُعْذِرُون، سَاكِنَةَ الْعَيْنِ، وقرأَ سائرُ قُرّاء الأَمْصارِ: الْمُعَذِّرُونَ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ، قَالَ: فَمَنْ قرأَ الْمُعَذِّرُونَ
فَهُوَ فِي الأَصل المُعْتَذِرُون فأُدْغِمَت التَّاءُ فِي الذَّالِ لِقُرْب المَخْرَجين، وَمَعْنَى المُعْتَذِرُون الَّذِينَ يَعْتَذِرُون، كَانَ لَهُمْ عُذْرٌ أَو لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ هَاهُنَا شَبِيهٌ بأَنْ يَكُونَ لَهم عُذْرٌ، وَيَجُوزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ المُعِذِّرُون، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، لأَن الأَصل المُعْتَذِرُون فأُسكنت التَّاءُ وأُبدل مِنْهَا ذَالٌ وأُدغمت فِي الذَّالِ ونُقِلَت حَرَكَتُهَا إِلى الْعَيْنِ فَصَارَ الْفَتْحُ فِي الْعَيْنِ أَوْلى الأَشياء، ومَنْ كَسَرَ الْعَيْنَ جَرّه لِالتقاء السَّاكِنَيْنِ، قَالَ: وَلَمْ يُقْرَأْ بِهَذَا، قَالَ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ المُعَذِّرُون الَّذِينَ يُعَذِّرُون يُوهِمُون أَنَّ لَهُمْ عُذْراً وَلَا عُذْرَ لَهُمْ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: فَفِي المُعَذِّرِينَ وجْهان: إِذا كَانَ المُعَذِّرُون مِنْ عَذّرَ الرَّجُلُ، فَهُوَ مُعَذِّر، فَهُمْ لَا عُذْرَ لَهُمْ، وإِذا كَانَ المُعَذِّرُون أَصلهم المُعْتَذِرُون فأُلْقِيَت فتحةُ التَّاءِ عَلَى العين وأُبْدِلَ منها دالٌ وأُدغمت فِي الذَّالِ الَّتِي بَعْدَهَا فَلَهُمْ عُذْرٌ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ الجُمَحِي: سأَلت يُونُسَ عَنْ قَوْلِهِ: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ، فَقُلْتُ لَهُ: المُعْذِرُون، مُخَفَّفَةً، كأَنها أَقْيَسُ لأَن المُعْذِرَ الَّذِي لَهُ عُذْرٌ، والمُعَذِّر الَّذِي يَعْتَذِر وَلَا عُذْر لَهُ، فَقَالَ يُونُسُ: قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ كَانَ مُسيِئاً جَاءَ قَوْمٌ فَعذَّرُوا وجَلَّحَ آخَرُونَ فَقَعَدُوا. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِهِ: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ، قَالَ: مَعْنَاهُ المُعْتَذِرُون. يُقَالُ: عَذَّر يَعَذِّر عِذّاراً فِي مَعْنَى اعْتَذَرَ، وَيَجُوزُ عِذَّرَ الرَّجُلُ يَعِذِّر، فَهُوَ مُعِذِّر، وَاللُّغَةُ الأُولى أَجودهما. قَالَ: وَمِثْلُهُ هَدّى يَهَدِّي هِدّاءً إِذا اهْتَدَى وهِدَّى يَهِدِّي؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى؛ وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ
يَخَصِّمُون، بِفَتْحِ الْخَاءِ، قَالَ الأَزهري: وَيَكُونُ المُعَذِّرُون بِمَعْنَى المُقَصِّرِينَ عَلَى مُفَعِّليِن مِنَ التَّعْذير وَهُوَ التَّقْصِيرُ. يُقَالُ: قَامَ فُلَانٌ قِيَامَ تَعْذِيرٍ فِيمَا اسْتَكْفَيْتُه إِذا لَمْ يُبالغْ وقَصَّرَ فِيمَا اعْتُمِدَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثُ:
أَن بَنِي إِسرائيل كَانُوا إِذا عُمِلَ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي نَهاهُم أَحْبارُهم تَعْذِيراً فعمَّهم اللَّهُ بالعِقاب، وَذَلِكَ إِذا لَمْ يُبالِغُوا فِي نَهْيِهم عَنِ الْمَعَاصِي، وداهَنُوهم وَلَمْ يُنْكِرُوا أَعْمالَهم بِالْمَعَاصِي حَقَّ الإِنْكارِ، أَي نَهَوْهم نَهْياً قَصَّروا فِيهِ وَلَمْ يُبالغُوا؛ وضَعَ المصدرَ مَوْضِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ حَالًا، كَقَوْلِهِمْ: جَاءَ مَشْياً. وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ:
وتَعاطى مَا نَهَيْتُ عَنْهُ تَعْذِيراً.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، ﷺ، أَنه قَالَ: لَنْ يَهْلِكَ الناسُ حَتَّى يُعذِرُوا مِنْ أَنفسهم؛ يُقَالُ: أَعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ إِذا أَمْكَن مِنْهَا، يَعْنِي أَنهم لَا يَهْلِكون حَتَّى تَكْثُرَ ذُنُوبُهُمْ وَعُيُوبُهُمْ، فيُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهم وَيَسْتَوْجِبُوا الْعُقُوبَةَ وَيَكُونَ لِمَنْ يُعَذِّبُهم عُذْرٌ، كأَنهم قَامُوا بعُذْرِه فِي ذَلِكَ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْيَاءِ، مِنْ عَذَرْته، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَحَقِيقَةُ عَذَرْت مَحَوْتُ الإِساءَةَ وطَمَسْتها، وَفِيهِ لُغَتَانِ؛ يُقَالُ أَعْذَرَ إِعذَاراً إِذا كَثُرَتْ عيوبُه وَذُنُوبُهُ وَصَارَ ذَا عَيْبٍ وَفَسَادٍ. قَالَ الأَزهري: وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَذَر يَعْذِرُ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَعْرفه الأَصمعي؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَخطل:
فإِن تَكُ حَرْبُ ابنَيْ نِزارٍ تواضَعَتْ، ... فَقَدْ عَذَرَتْنا فِي كِلاب وَفِي كَعَبِ(٣).
وَيُرْوَى: أَعْذَرَتْنا أَي جَعَلَتْ لَنَا عُذْراً فِيمَا صَنَعْنَاهُ؛ وَهَذَا كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ:
لَنْ يَهْلِك عَلَى اللَّهِ إِلا هَالِكٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّاسِ: مَن يَعْذِرُني مِنْ فُلَانٍ؛ قَالَ ذُو الإِصْبَع العَدْوانيّ:
عَذِيرَ الحَيِّ مِن عَدْوَانَ، ... كانُوا حَيَّةَ الأَرضِ
بَغَى بَعْضٌ عَلَى بَعْضِ، ... فَلَمْ يَرْعَوْا عَلَى بَعْضِ
فَقَدْ أَضْحَوْا أَحادِيثَ، ... بِرَفْعِ القَولِ والخَفْضِ
يَقُولُ: هاتِ عُذْراً فِيمَا فَعَل بعضُهم بِبَعْضٍ مِنَ التباعُد والتباغُض وَالْقَتْلِ وَلَمْ يَرْعَ بعضُهم عَلَى بَعْضٍ، بَعْدِ ما كَانُوا حيَّةَ الأَرض الَّتِي يَحْذَرُها كلُّ أَحد، فَقَدْ صَارُوا أَحاديثَ لِلنَّاسِ يَرْفَعُونَهَا ويخفضونها، ومعنى يَخْفِضُونَهَا يُسِرّونها، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ هاتِ مَن يَعْذِرُني؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلى ابْنِ مُلْجَم:
عَذِيرَك مِن خَلِيلك مِن مُرادِ
يُقَالُ: عَذِيرَك مِن فُلَانٍ، بِالنَّصْبِ، أَي هاتِ مَن يَعْذِرُك، فَعِيل بِمَعْنَى فَاعِلٍ، يُقَالُ: عَذِيري مِن فُلان أَي مَن يَعْذِرني، ونصبُه عَلَى إِضمار هَلُمَّ مَعْذِرَتَك إِيَّاي؛ وَيُقَالُ: مَا عِنْدَهُمْ عَذِيرةٌ أَي لَا يَعْذِرون، وَمَا عِنْدَهُمْ غفيرةٌ أَي لَا يَغْفِرُون. والعَذِيرُ: النَّصِيرُ؛ يُقَالُ: مَن عَذِيرِي مِن فُلَانٍ أَي مَن نَصِيرِي. وعَذِيرُ الرَّجُلِ: مَا يَرُومُ وَمَا يُحاوِلُ مِمَّا يُعْذَرُ عَلَيْهِ إِذا فَعَلَه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يُخَاطِبُ امرأَته:
جارِيَ لَا تَسْتَنْكِري عَذِيرِي، ... سَيْرِي، وإِشْفاقي عَلَى بَعِيرِي
يُرِيدُ يَا جَارِيَةُ فَرَخَّمَ، وَيُرْوَى: سَعْيِي، وَذَلِكَ أَنه عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فكانَ يرُمُّ رَحْل نَاقَتِهِ لِسَفَرِهِ فَقَالَتْ لَهُ امرأَته: مَا هَذَا الَّذِي ترُمُّ؟ فَخَاطَبَهَا بِهَذَا الشِّعْرِ، أَي لَا تُنْكِري مَا أُحاوِلُ. والعَذِيرُ: الْحَالُ؛ وأَنشد:
لَا تَسْتَنْكِرِي عَذِيرِي
وَجَمْعُهُ عُذُرٌ مِثْلُ سَرِيرٍ وسُرُرٍ، وإِنما خُفِّفَ فَقِيلَ عُذْر؛ وَقَالَ حَاتِمٌ:
أَماوِيَّ قَدْ طَالَ التجنُّبُ والهجْرُ، ... وَقَدْ عَذَرَتْنِي فِي طِلابِكُمُ العُذْرُ
أَماوِيَّ إِن الْمَالَ غادٍ ورائحٌ، ... ويَبْقَى مِنَ الْمَالِ الأَحاديثُ والذِّكْرُ
وَقَدْ عَلِمَ الأَقوامُ لَوْ أَن حَاتِمًا ... أَرادَ ثَراءَ المالِ، كَانَ لَهُ وَفْرُ
وَفِي الصِّحَاحِ:
وَقَدْ عَذَرَتْنِي فِي طِلَابِكُمُ عُذْرُ
قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ أَعرابيين تَمِيمِيًّا وَقَيْسِيًّا يَقُولَانِ: تَعَذَّرْت إِلى الرَّجُلِ تَعَذُّراً، فِي مَعْنَى اعْتَذَرْت اعْتِذاراً؛ قَالَ الأَحْوَص بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنصاري:
طَرِيد تَلافاهُ يَزِيدُ برَحْمَةٍ، ... فَلَمْ يُلْفَ مِنْ نَعْمائهِ يَتَعَذَّرُ
أَي يَعْتَذر؛ يَقُولُ: أَنعم عَلَيْهِ نِعْمَةً لَمْ يَحْتَجْ إِلى أَن يَعْتذر مِنْهَا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ يَتَعَذَّر أَي يَذْهَبُ عَنْهَا. وتَعَذَّر: تأَخَّر؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
بِسَيْر يَضِجُّ العَوْدُ مِنْهُ، يَمُنّه ... أَخُو الجَهْدِ، لَا يَلْوِي عَلَى مَنْ تَعَذَّرا
والعَذِيرُ: العاذرُ. وعَذَرْته مِنْ فُلَانٍ أَي لُمْت فُلَانًا وَلَمْ أَلُمْه؛ وعَذِيرَك إِيَّايَ مِنْهُ أَي هَلُمَّ مَعْذِرَتك إِيَّايَّ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنْبة: يُقَالُ أَما تُعذرني مِنْ هَذَا؟ بِمَعْنَى أَما تُنْصِفُني مِنْهُ. يُقَالُ: أَعْذِرْني مِنْ هَذَا أَي أَنْصِفْني مِنْهُ. وَيُقَالُ: لَا يُعْذِرُك مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَحدٌ؛ مَعْنَاهُ لَا يُلْزِمُه الذَّنْبَ فِيمَا تُضِيفُ إِليه وَتَشْكُوهُ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّاسِ: مَنْ يَعْذِرُني مِنْ فُلَانٍ أَي مَنْ يَقُومُ بعُذْرِي إِن أَنا جَازَيْتُهُ بسُوءِ صَنِيعِهِ، وَلَا يُلْزِمُني لوْماً عَلَى مَا يَكُونُ مِنِّي إِليه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الإِفك:
فاسْتَعْذَرَ رسولُ اللَّهِ، ﷺ، مِنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيّ وَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: مَنْ يَعْذِرُني مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنا أَعْذِرُك مِنْهُ، أَي مَنْ يَقُومُ بعُذري إِن كافأْته عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِ فَلَا يلومُني؟ وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، ﷺ، استعذرَ أَبا بَكْرٍ مِنْ عَائِشَةَ، كَانَ عَتَبَ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ فَقَالَ لأَبي بَكْرٍ: أَعْذِرْني مِنْهَا إِن أَدَّبْتُها؛ أَي قُمْ بعُذْري فِي ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ أَبي الدَّرْدَاءِ: مَنْ يَعْذِرُني مِنْ مُعَاوِيَةَ؟ أَنا أُخْبِرُه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، وَهُوَ يُخْبِرُنِي عَنْ نَفْسِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثِ عَلِيٍّ: مَنْ يَعْذرني مِنْ هَؤُلَاءِ الضَّياطِرة؟
وأَعْذر فُلَانٌ مِنْ نفسه أَي أَتى من قبَل نَفْسِهِ. قَالَ: وعَذّر يُعذّر نَفْسَهُ أَي أَتي مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ قَالَ يُونُسُ: هِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ. وتَعَذَّر عَلَيْهِ الأَمر: لَمْ يَسْتَقِمْ. وتَعَذَّر عَلَيْهِ الأَمر إِذا صَعُبَ وَتَعَسَّرَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يتعَذَّر فِي مَرَضِهِ؛ أَي يَتَمَنَّعُ وَيَتَعَسَّرُ. وأَعْذَرَ وعَذَرَ: كَثُرت ذُنُوبُهُ وَعُيُوبُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ:
قَالُوا مَعْذِرةٌ إِلى رَبِّكُمْ؛ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ بَنِي إِسرائيلَ وعَظُوا الَّذِينَ اعتدَوْا فِي السَّبْتِ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ؟ فَقَالُوا، يَعْنِي الْوَاعِظِينَ:
مَعْذِرةٌ إِلى رَبِّكُمْ، فَالْمَعْنَى أَنهم قَالُوا: الأَمرُ بِالْمَعْرُوفِ واجبٌ عَلَيْنَا فَعَلَيْنَا موعظةُ هَؤُلَاءِ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ فِي مَعْذِرة فَيَكُونُ الْمَعْنَى نَعْتَذِرُ مَعْذِرَةً بوَعْظِنا إِيَّاهم إِلى رَبِّنَا؛ والمَعْذِرةُ: اسمٌ عَلَى مَفْعِلة مِنْ عَذَرَ يَعْذِر أُقِيم مُقام الِاعْتِذَارِ؛ وَقَوْلُ زُهَيْرُ بْنُ أَبي سُلْمَى:
عَلَى رِسْلِكمْ إِنا سَنُعْدِي ورَاءكم، ... فتمنعُكم أَرْماحُنا أَو سَنُعْذَر
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْبَيْتُ أَورد الْجَوْهَرِيُّ عَجُزَهُ وأَنشد: سَتَمْنَعُكُمْ، وَصَوَابُهُ: فَتَمْنَعُكُمْ، بِالْفَاءِ، وَهَذَا الشِّعْرُ يُخَاطِبُ بِهِ آلَ عكرمة، وهم سُلَيم وغَطفان(٤)
وَسُلَيْمٌ هُوَ سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ، وَهَوَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفة بْنِ قَيْس عَيْلان، وَغَطَفَانُ هُوَ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، وَكَانَ بَلَغَ زُهَيْرًا أَن هَوَازِنَ وَبَنِي سُلَيْمٍ يُرِيدُونَ غَزْوَ غَطَفَانَ، فذكَّرهم مَا بَيْنَ غَطَفَانَ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الرَّحِم، وأَنهم يَجْتَمِعُونَ فِي النَّسَبِ إِلى قَيْسٍ؛ وَقَبْلَ الْبَيْتِ:
خُذُوا حظَّكم يَا آلَ عِكْرِمَ، واذْكُروا ... أَواصِرَنا، والرِّحْمُ بِالْغَيْبِ يُذْكَرُ
فإِنَّا وإِيَّاكم إِلى مَا نَسُومُكم ... لَمِثْلانِ، بَلْ أَنتم إِلى الصُّلْح أَفْقَرُ
مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى رِسْلِكم أَي عَلَى مَهْلِكم أَي أَمْهِلوا قَلِيلًا. وَقَوْلُهُ: سَنُعْدِي وَرَاءَكُمْ أَي سَنُعْدِي الْخَيْلَ وَرَاءَكُمْ. وَقَوْلُهُ: أَو سَنُعْذَرُ أَي نأْتي بالعُذْر فِي الذبِّ عَنْكُمْ وَنَصْنَعُ مَا نُعْذَر فِيهِ. والأَوَاصِرُ: الْقَرَابَاتُ. والعِذَارُ مِنَ اللِّجَامِ: مَا سَالَ عَلَى خَدِّ الْفَرَسِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: وعِذَارُ اللِّجَامِ مَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَى خَدي الدَّابَّةِ، وَقِيلَ: عذَارُ اللِّجَامِ السَّيْرانِ اللَّذَانِ يَجْتَمِعَانِ عِنْدَ القَفا، وَالْجَمْعُ عُذُرٌ. وعَذَرَه يَعْذِرُهُ عَذْراً وأَعْذَرَه وعَذَّرَه: أَلْجَمه، وَقِيلَ: عَذَّره جَعَلَ لَهُ عِذَاراً لا غير؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فإِني إِذا مَا خُلّةٌ رَثَّ وصلُها، ... وجَدَّتْ لصَرْمٍ وَاسْتَمَرَّ عِذارُها
لَمْ يُفَسِّرْهُ الأَصمعي، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ عِذَار اللِّجَامِ، وأَن يَكُونَ مِنَ التَعَذُّر الَّذِي هُوَ الِامْتِنَاعُ؛ وَفَرَسٌ قصيرُ العِذَار وقصيرُ العِنان. وَفِي الْحَدِيثِ:
الفَقْرُ أَزْيَنُ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ عِذَارٍ حسَنٍ عَلَى خَدِّ فَرَسٍ؛ العِذَارانِ مِنَ الْفَرَسِ: كالعارِضَين مِنْ وَجْهِ الإِنسان، ثُمَّ سُمِّيَ السَّيْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ مِنَ اللِّجَامِ عِذاراً بِاسْمِ مَوْضِعِهِ. وعَذَرْت الفرس بالعِذَار أَعْذِره وأَعْذُره إِذا شَدَدْت عِذَارَه. والعِذَاران: جَانِبَا اللِّحْيَةِ لأَن ذَلِكَ مَوْضِعُ الْعِذَارِ مِنَ الدَّابَّةِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
حَتَّى رَأَيْنَ الشَّيْبَ ذَا التَّلَهْوُقِ ... يَغْشَى عِذَارَي لحْيَتي ويَرْتَقي
وعِذَارُ الرَّجُلِ: شعرُه النَّابِتُ فِي مَوْضِعِ العِذَار. والعِذَارُ: اسْتِوَاءُ شَعْرِ الْغُلَامِ. يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ عِذَارَه أَي خطَّ لِحْيَتِهِ. والعِذَارُ: الَّذِي يضُمّ حبلَ الْخِطَامِ إِلى رأْس الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ. وأَعْذَرَ النَّاقَةَ: جَعَلَ لَهَا عِذَاراً. والعِذَارُ والمُعَذَّر: المَقَذُّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه مَوْضِعُ العِذَار مِنَ الدَّابَّةِ. وعَذَّرَ الغلامُ: نَبَتَ شعرُ عِذَاره يَعْنِي خَدَّهُ. وخَلَعَ العِذَارَ أَي الْحَيَاءَ؛ وَهَذَا مَثَلٌ لِلشَّابِّ المُنْهَمِك فِي غَيِّه، يُقَالُ: أَلْقَى عَنْهُ جِلْبابَ الْحَيَاءِ كَمَا خلَع الفرسُ العِذارَ فَجَمَعَ وطَمَّح. قَالَ الأَصمعي: خلَع فُلَانٌ مُعَذَّرَه إِذا لَمْ يُطِعْ مُرْشِداً، وأَراد بالمُعَذَّر الرَّسن ذَا العِذَارين، وَيُقَالُ لِلْمُنْهَمِكِ فِي الْغَيِّ: خلَع عِذَارَه؛ وَمِنْهُ كِتَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلى الْحَجَّاجِ: اسْتَعْمَلْتُك عَلَى الْعِرَاقَيْنِ فاخْرُجْ إِليهما كَمِيشَ الإِزار شديدَ العِذَارِ؛ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا عَزَمَ عَلَى الأَمر: هُوَ شَدِيدُ العِذَار، كَمَا يُقَالُ فِي خِلَافِهِ: فُلَانٌ خَليع الْعِذَارِ كَالْفَرَسِ الَّذِي لَا لِجَامَ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَعِيرُ عَلَى وَجْهِهِ لأَن اللِّجَامَ يُمْسِكُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: خَلَعَ عِذارَه أَي خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَانْهَمَكَ فِي الْغَيِّ. والعِذَارُ: سِمةٌ فِي مَوْضِعِ العِذَار؛ وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ: العِذَارُ سِمةٌ عَلَى الْقَفَا إِلى الصُّدْغَين. والأَول أَعرف. وَقَالَ الأَحمر: مِنَ السِّمَاتِ العُذْرُ. وَقَدْ عُذِرَ الْبَعِيرُ، فَهُوَ مَعْذورٌ، والعُذْرةُ: سِمَةٌ كالعِذار؛ وَقَوْلُ أَبي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ أَبي عُبَيد يَصِفُ أَياماً لَهُ مَضَتْ وطِيبَها مِنْ خَيْرٍ وَاجْتِمَاعٍ عَلَى عَيْشٍ صَالِحٍ:
إِذِ الحَيُّ والحَوْمُ المُيَسِّرُ وَسْطَنا، ... وإِذ نَحْنُ فِي حالٍ مِنَ العَيْشِ صالحِ
وَذُو حَلَقٍ تُقْضَى العَواذِيرُ بينَه، ... يلُوحُ بأَخْطارٍ عِظَام اللَّقائِحِ
قَالَ الأَصمعي: الحَوْم الإِبل الْكَثِيرَةُ. والمُيَسِّر: الَّذِي قَدْ جَاءَ لبنُه. وَذُو حَلَقٍ: يَعْنِي إِبلًا مِيسَمُها الحَلَقُ: يُقَالُ: إِبلٌ محَلَّقة إِذا كَانَ سِمَتُها الحَلَق. والأَخْطَارُ: جَمْعُ خِطْر، وَهِيَ الإِبل الْكَثِيرَةُ. والعَواذِيرُ: جَمْعُ عاذُور، وَهُوَ أَن يَكُونَ بَنُو الأَب مِيسَمُهم وَاحِدًا، فإِذا اقْتَسَمُوا مَالَهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَعْذِرْ عَنِّي، فيخُطّ فِي المِيسَم خَطًّا أَو غَيْرَهُ لِتُعْرَفَ بِذَلِكَ سِمَةُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَيُقَالُ: عَذِّرْ عَينَ بَعِيرك أَي سِمْه بِغَيْرِ سِمَة بَعِيرِي لِتَتَعَارَفَ إِبلُنا. والعاذُورُ: سِمَةٌ كَالْخَطِّ، وَالْجَمْعُ العَواذِيرُ. والعُذْرةُ: الْعَلَامَةُ. والعُذْر: الْعَلَّامَةُ. يُقَالُ: أَعْذِر عَلَى نَصِيبِكَ أَي أَعْلِمْ عَلَيْهِ. والعُذْرةُ: النَّاصِيَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الخُصْلة مِنَ الشَّعْرِ وعُرْفُ الْفَرَسِ وَنَاصِيَتُهُ، والجمعُ عُذَر؛ وأَنشد لأَبي النَّجْمِ:
مَشْيَ العَذارى الشُّعْثِ يَنْفُضْن العُذَرْ
وَقَالَ طَرَفَةُ:
وهِضَبّات إِذا ابْتَلَّ العُذَرْ
وَقِيلَ: عُذْر الْفَرَسِ مَا عَلَى المِنْسَج مِنَ الشَّعْرِ، وَقِيلَ: العُذْرة الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى كَاهِلِ الْفَرَسِ. والعُذَرُ: شَعَرَاتٌ مِنَ الْقَفَا إِلى وَسَطِ الْعُنُقِ. والعِذار مِنَ الأَرض: غِلَظٌ يَعْتَرِضُ فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الرَّمْلِ، وَالْجَمْعُ عُذْرٌ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ لِذِي الرُّمَّةِ:
ومِن عاقرٍ يَنْفِي الأَلاءَ سَراتُها، ... عِذارَينِ مِنْ جَرْداءَ وعْثٍ خُصُورُها أَي حَبْلين مُسْتَطِيلَيْنِ مِنَ الرَّمْلِ، وَيُقَالُ: طَرِيقَيْنِ؛ هَذَا يَصِفُ نَاقَةً يَقُولُ: كَمْ جَاوَزَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ مِنْ رَمْلَةٍ عَاقِرٍ لَا تَنْبُتُ شَيْئًا، وَلِذَلِكَ جَعَلَهَا عَاقِرًا كالمرأَة الْعَاقِرِ. والأَلاءُ: شَجَرٌ يَنْبُتُ فِي الرَّمْلِ وإِنما يَنْبُتُ فِي جَانِبَيِ الرَّمْلَةِ، وَهُمَا العِذَارانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا. وجَرْداء: مُنْجَرِدة مِنَ النَّبْتِ الَّذِي تَرْعَاهُ الإِبل. والوَعْثُ: السَّهْلُ. وخُصورُها: جَوَانِبُهَا. والعُذْرُ: جَمْعُ عِذار، وَهُوَ الْمُسْتَطِيلُ مِنَ الأَرض. وعِذارُ الْعِرَاقِ: مَا انْفَسَح عَنِ الطَّفِّ. وعِذارا النَّصْلِ: شَفْرَتاه. وعِذارا الحائطِ وَالْوَادِي: جَانِبَاهُ. وَيُقَالُ: اتَّخَذَ فُلَانٌ فِي كَرْمِهِ عِذاراً مِنَ الشَّجَرِ أَي سِكّة مُصْطَفَّةٌ. والعُذْرة: البَظْر؛ قَالَ:
تَبْتَلُّ عُذْرتُها فِي كُلِّ هاجِرةٍ، ... كَمَا تَنَزَّل بالصَّفْوانةِ الوَشَلُ
والعُذْرةُ: الخِتَانُ والعُذْرة: الْجِلْدَةُ يَقْطَعُهَا الْخَاتِنُ. وعَذَرَ الغلامَ وَالْجَارِيَةَ يَعْذِرُهما عَذْراً وأَعْذَرَهما: خَتَنَهما؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فِي فتْيَةٍ جَعَلُوا الصَّلِيبَ إِلَهَهُمْ، ... حَاشايَ، إِنِّي مُسْلِمٌ مَعْذُورُ
والأَكثر خَفَضْتُ الْجَارِيَةَ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
تَلْوِيَةَ الخَاتِن زُبَّ المَعْذُور
والعِذَار والإِعْذار والعَذِيرة والعَذِيرُ، كُلُّهُ: طَعَامُ الْخِتَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الْوَلِيمَةُ فِي الإِعْذار حقٌ؛ الإِعْذار: الْخِتَانُ. يُقَالُ: عَذَرته وأَعْذَرته فَهُوَ مَعْذُورٌ ومُعْذَرٌ، ثُمَّ قِيلَ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُطْعم فِي الْخِتَانِ إِعْذار. وَفِي الْحَدِيثِ:
كُنَّا إِعْذارَ عامٍ وَاحِدٍ؛ أَي خُتِنّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَكَانُوا يُخْتَنُونَ لِسِنٍّ مَعْلُومَةٍ فِيمَا بَيْنَ عَشْرِ سِنِينَ وخمسَ عَشْرَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وُلِدَ رسول الله، ﷺ، مَعْذوراً مَسْروراً؛ أَي مَخْتُونًا مَقْطُوعَ السُّرَّةِ. وأَعْذَرُوا لِلْقَوْمِ: عَمِلوا ذَلِكَ الطَّعَامَ لَهم وأَعَدّوه. والإِعْذارُ والعِذارُ والعَذِيرةُ والعَذِيرُ: طعامُ المأْدُبة. وعَذَّرَ الرجلُ: دَعَا إِليه. يُقَالُ: عَذَّرَ تَعْذِيراً للخِتَان وَنَحْوِهِ. أَبو زَيْدٍ: مَا صُنِع عِنْدَ الْخِتَانِ الإِعْذار، وَقَدْ أَعْذَرْت؛ وأَنشد:
كُلَّ الطعامِ تَشْتَهِي رَبِيعَهْ: ... الخُرْس والإِعْذار والنَّقِيعَهْ
والعِذَار: طَعَامُ البِنَاء وأَن يَسْتَفِيدَ الرجلُ شَيْئًا جَدِيدًا يُتَّخَذُ طَعَامًا يَدْعُو إِليه إِخوانه. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: العُذْرة قُلْفةُ الصَّبِيِّ وَلَمْ يَقُل إِن ذَلِكَ اسْمٌ لَهَا قَبْلَ الْقَطْعِ أَو بَعْدَهُ. والعُذْرة: البَكارةُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العُذْرة مَا لِلْبِكْر مِنَ الِالْتِحَامِ قَبْلَ الِافْتِضَاضِ. وَجَارِيَةٌ عَذْراء: بِكْرٌ لَمْ يمسَّها رَجُلٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي وَحْدَهُ: سُمِّيت البكرُ عَذْراء لضِيقِها، مِنْ قَوْلِكَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الأَمرُ، وَجَمْعُهَا عَذارٍ وعَذارى وعَذْراوات وعَذارِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَحارى. وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ:
إِن الرَّجُلَ لَيُفْضِي فِي الغَداةِ الْوَاحِدَةِ إِلى مِائَةِ عَذْراء؛ وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
أَتَيْناكَ والعَذْراءُ يَدْمَى لَبانُها
أَي يَدْمَى صدرُها مِنْ شِدَّةِ الجَدْب؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ النَّخَعِيِّ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ إِنه لَمْ يَجد امرأَتَه عَذْراءَ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لأَن العُذْرةَ قَدْ تُذْهِبُها الحيضةُ والوثْبةُ وطولُ التَّعْنِيس.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: مَا لَكَ ولِلْعَذَارَى ولِعَابهنّ
أَي مُلاعَبتِهنّ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ:
مُعِيداً يَبْتَغِي سَقَطَ العَذارَى
وعُذْرةُ الجاريةِ: اقْتِضاضُها. والاعْتذارُ: الاقْتِضاضُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَبو عُذْر فُلَانَةٍ إِذا كَانَ افْتَرَعَها وَاقْتَضَّهَا، وأَبو عُذْرَتها. وَقَوْلُهُمْ: مَا أَنت بِذِي عُذْرِ هَذَا الكلامِ أَي لسْتَ بأَوَّلِ مَنِ اقْتضّه. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لِلْجَارِيَةِ عُذْرتانِ إِحداهما الَّتِي تَكُونُ بِهَا بِكْرًا والأُخرى فِعْلُها؛ وَقَالَ الأَزهري عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: لَهَا عُذْرتانِ إِحداهما مَخْفِضُها، وَهُوَ مَوْضِعُ الْخَفْضِ مِنَ الْجَارِيَةِ، والعُذْرةُ الثَّانِيَةُ قضّتُها، سُمِّيَتْ عُذْرةً بالعَذْر، وَهُوَ الْقَطْعُ، لأَنها إِذا خُفِضت قُطِعَتْ نَواتُها، وإِذا افْتُرِعَت انْقَطَعَ خاتمُ عُذْرتِها. والعاذُورُ: مَا يُقْطع مِنْ مَخْفِض الْجَارِيَةِ. ابْنُ الأَعرابي: وَقَوْلُهُمُ اعْتَذَرْت إِليه هُوَ قَطْعُ مَا فِي قَلْبِهِ. وَيُقَالُ: اعْتَذَرَت المياهُ إِذا انْقَطَعَتْ. والاعْتِذارُ: قطعُ الرجلِ عَنْ حَاجَتِهِ وقطعُه عَمَّا أَمْسَك فِي قَلْبِهِ. واعْتَذَرت المنازلُ إِذا دَرَسَت؛ وَمَرَرْتُ بِمَنْزِلٍ مُعْتَذرٍ بالٍ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
شُهُورُ الصَّيْفِ، واعْتَذَرَتْ إِلَيْهِ ... نِطَاف الشيِّطَين مِن الشِّمال
وتَعَذَرَّ الرَّسْمُ واعْتَذَر: تَغَيَّر؛ قَالَ أَوس:
فبطن السُّلَيِّ فالسّجال تَعَذَّرَت، ... فمَعْقُلة إِلى مَطارِ فوَاحِف
وَقَالَ ابْنُ ميّادةَ وَاسْمُهُ الرَّمَّاحُ بْنُ أَبرد(٥):
مَا هاجَ قَلْبك مِنْ مَعَارِفِ دِمْنَةٍ، ... بالبَرْقِ بَيْنَ أَصَالِفٍ وفَدَافِدِ
لَعِبَتْ بِهَا هُوجُ الرِّياح فأَصْبَحَتْ ... قَفْراً تَعَذَّر، غَيْرَ أَوْرَقَ هَامِدِ
البَرْق: جَمْعُ بَرْقَةٍ، وَهِيَ حِجَارَةٌ ورملٌ وَطِينٌ مُخْتَلِطَةٌ. والأَصالِفُ والفَدافِدُ: الأَماكن الْغَلِيظَةُ الصُّلْبَةُ؛ يَقُولُ: دَرَسَتْ هَذِهِ الْآثَارُ غَيْرَ الأَوْرَقِ الهامِد، وَهُوَ الرَّمَادُ؛ وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ يَمْدَحُ بِهَا عَبْدَ الْوَاحِدِ بن سليمان ابن عَبْدِ الْمَلِكِ وَيَقُولُ فِيهَا:
مَنْ كَانَ أَخْطَأَه الربيعُ، فإِنه ... نُصِرَ الحجازُ بغَيْثِ عَبْدِ الواحدِ
سَبَقَتْ أَوائِلَه أَواخِرُه، ... بمُشَرَّعِ عَذبٍ ونَبْتٍ واعِدِ(٦).
نُصِرَ أَي أُمْطِر. وأَرض مَنْصُورَةٌ: مَمْطُورَةٌ. والمُشَرَّعُ: شَرِيعَةُ الْمَاءِ. ونَبْت واعِد أَي يُرْجى خيرُه، وَكَذَلِكَ أَرضٌ واعِدةٌ يُرْجى نباتُها؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر الْبَاهِلِيُّ فِي الِاعْتِذَارِ بِمَعْنَى الدُّرُوس:
بانَ الشَّبابُ وأَفْنى ضِعْفَه العمُرُ، ... لِلَّهِ دَرُّك أَيَّ العَيْشِ تَنْتَظِرُ؟
هَلْ أَنتَ طالبُ شيءٍ لسْتَ مُدْرِكه؟ ... أَمْ هَلْ لِقَلْبِك عَنْ أُلَّافِه وطَرُ؟
أَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ آيَاتٍ، فَقَدْ جَعَلَتْ ... أَطْلالُ إِلْفِك بالوَدْكاءِ تَعْتَذِرُ؟
ضِعْفُ الشَّيْءِ: مثلهُ؛ يَقُولُ: عِشْت عمرَ رَجُلَيْنِ وأَفناه الْعُمُرُ. وَقَوْلُهُ: أَم هَلْ لِقَلْبِكَ أَي هَلْ لِقَلْبِكَ حَاجَةٌ غَيْرَ أُلَّافِه أَي هَلْ لَهُ وَطَرٌ غَيْرَهُمْ. وَقَوْلُهُ: أَم كُنْتَ تَعْرِفُ آيَاتٍ؛ الْآيَاتُ: الْعَلَامَاتُ، وأَطْلالُ إِلْفك قَدْ دَرَسَت، وأُخِذ الاعْتِذارُ مِنَ الذَّنْبِ مِنْ هَذَا لأَن مَن اعْتَذَرَ شابَ اعتذارَه بكذِبٍ يُعَفِّي عَلَى ذَنْبِهِ. والاعتِذارُ: مَحْوُ أَثر المَوْجِدة، مِنْ قَوْلِهِمُ: اعْتَذَرَت المنازلُ إِذا دَرَسَت. والمَعاذِرُ: جَمْعُ مَعْذِرة. وَمِنْ أَمثالهم: المَعاذِرُ مكاذِبُ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ؛ قِيلَ: الْمَعَاذِيرُ الحُجَجُ، أَي لَوْ جادَلَ عَنْهَا وَلَوْ أَدْلى بِكُلِ حُجَّةٍ يَعْتَذِرُ بِهَا؛ وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: المَعاذير السُّتور بِلُغَةِ الْيَمَنِ، وَاحِدُهَا مِعْذارٌ، أَي وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ.
وَيُقَالُ: تَعَذَّرُوا عَلَيْهِ أَي فَرُّوا عَنْهُ وَخَذَلُوهُ. وَقَالَ أَبو مَالِكٍ عَمْرُو ابن كِرْكِرَة: يُقَالُ ضَرَبُوهُ فأَعْذَروه أَي ضَرَبُوهُ فأَثْقَلُوه. وضُرِبَ فلانٌ فأُعْذِرَ أَي أُشْرف بِهِ عَلَى الْهَلَاكِ. وَيُقَالُ: أَعْذَرَ فُلَانٌ فِي ظَهْرِ فُلَانٍ بالسيَاط إِعْذاراً إِذا ضرَبه فأَثَّر فِيهِ، وشَتَمه فبالغَ فِيهِ حَتَّى أَثَّر بِهِ فِي سبِّه؛ وَقَالَ الأَخطل:
وَقَدْ أَعْذَرْن فِي وَضَحِ العِجَانِ
والعَذْراء: جامِعةٌ تُوضَعُ فِي حَلْق الإِنسان لَمْ تُوضَعْ فِي عُنُقِ أَحد قَبْلَهُ، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ مِنْ حَدِيدٍ يعذَّب بِهِ الإِنسانُ لِاسْتِخْرَاجِ مَالٍ أَو لإِقرارٍ بأَمر. قَالَ الأَزهري: والعَذَارى هِيَ الْجَوَامِعُ كالأَغْلال تُجْمَع بِهَا الأَيدي إِلى الأَعناق. والعَذْراء: الرَّمْلَةُ الَّتِي لَمْ تُوطَأْ. ورَمْلة عَذْراء: لَمْ يَرْكَبْها أَحدٌ لِارْتِفَاعِهَا. ودُرَّة عَذْراءُ. لَمْ تُثْقب. وأَصابعُ العَذارَى: صِنْف مِنَ العِنَب أَسود طِوَالٌ كأَنه البَلُّوط، يُشَبَّه بأَصابع العَذارى المُخَضَّبَةِ. والعَذْراء: اسْمُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ، ﷺ، أُراها سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها لَمْ تُنْكَ. والعَذْراءُ: برْجٌ مِنْ بُرُوجِ السَّمَاءِ. وَقَالَ النَّجَّامون: هِيَ السّنْبُلة، وَقِيلَ: هِيَ الجَوْزاء. وعَذْراء: قَرْيَةٌ بِالشَّامِ مَعْرُوفَةٌ؛ وَقِيلَ: هِيَ أَرض بِنَاحِيَةِ دِمَشْقَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراها سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها لَمْ تُنْكَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا أُصِيبَ سُكّانُها بأَداة عدُوّ؛ قال الأَخطل:
ويا مَنَّ عَنْ نَجْدِ العُقابِ، وياسَرَتْ ... بنَا العِيسُ عَنْ عَذْراءَ دارِ بَنِي الشَّجْب
والعُذْرةُ: نجْمٌ إِذا طلَع اشْتَدَّ غَمُّ الْحَرِّ، وَهِيَ تَطْلُعُ بَعْدَ الشِّعْرى، وَلَهَا وَقْدة وَلَا رِيحَ لَهَا وتأْخذ بالنفَس، ثُمَّ يطلُع سُهَيلٌ بَعْدَهَا، وَقِيلَ: العُذْرة كواكبُ فِي آخِرِ المَجَرَّة خَمْسَةٌ. والعُذْرةُ والعاذورُ: داءٌ فِي الْحَلْقِ؛ وَرَجُلٌ مَعْذورٌ: أَصابَه ذَلِكَ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
غَمَزَ ابنُ مُرَّةَ يَا فَرَزْدَقُ كَيْنَها، ... غَمْزَ الطَّبِيبِ نَغانِغَ المَعْذُورِ
الكَيْنُ: لَحْمُ الْفَرْجِ. والعُذْرة: وَجَعُ الْحَلْقِ مِنَ الدَّمِ، وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ أَيضاً يُسَمَّى عُذْرة، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهاةِ. وعُذِرَ، فَهُوَ مَعْذورٌ: هاجَ بِهِ وجعُ الحلقِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه رأَى صَبِيًّا أُعْلِقَ عَلَيْهِ مِنَ العُذْرةِ؛ هُوَ وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ يهيجُ مِنَ الدَّمِ، وَقِيلَ: هِيَ قُرْحة تَخْرُجُ فِي الحَزْم الَّذِي بَيْنَ الْحَلْقِ والأَنف يَعْرِض لِلصِّبْيَانِ عِنْدَ طُلُوعِ العُذْرة، فتَعْمِد المرأَة إِلى خِرْقةٍ فَتَفْتِلُها فَتْلًا شَدِيدًا، وتُدْخِلُها فِي أَنْفِه فتطعَن ذَلِكَ الموضعَ، فينفجرُ مِنْهُ دمٌ أَسْودُ رُبَّمَا أَقْرحَه، وَذَلِكَ الطعنُ يُسَمَّى الدَّغْر. يُقَالُ: عَذَرَت المرأَةُ الصبيَّ إِذا غَمَزَت حلْقَه مِنَ العُذْرة، إِن فَعَلَتْ بِهِ ذَلِكَ، وَكَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ يُعَلِّقون عَلَيْهِ عِلاقاً كالعُوذة. وَقَوْلُهُ: عِنْدَ طُلُوعِ العُذْرة؛ هِيَ خمسةُ كواكبَ تَحْتَ الشِّعْرى العَبُور، وَتُسَمَّى العَذارى، وَتَطْلُعُ فِي وَسَطِ الْحَرِّ، وَقَوْلُهُ: مِنَ العُذْرة أَي مِنْ أَجْلِها. والعاذِرُ: أَثرُ الجُرْح؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
أُزاحِمُهم بِالْبَابِ إِذ يَدْفَعُونَني، ... وبالظهرِ، مِنِّي مِنْ قَرَا الْبَابِ عاذِرُ
تَقُولُ مِنْهُ: أَعْذَرَ بِهِ أَي تَرَكَ بِهِ عاذِراً، والعَذِيرُ مِثْلُهُ. ابْنُ الأَعرابي: العَذْر جَمْع العَاذِر، وَهُوَ الإِبداء. يُقَالُ: قَدْ ظَهَرَ عاذِره، وَهُوَ دَبُوقاؤه.
وأَعْذَرَ الرجلُ: أَحْدَثَ. والعاذِرُ والعَذِرةُ: الْغَائِطُ الَّذِي هُوَ السَّلح. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَرِهَ السُّلْت الَّذِي يُزْرَعُ بالعَذِرة؛ يُرِيدُ الغائطَ الَّذِي يُلْقِيهِ الإِنسان. والعَذِرةُ: فِنَاءُ الدَّارِ. وَفِي حَدِيثِ عليٍّ: أَنه عاتَب قَوْمًا فَقَالَ: مَا لَكَمَ لَا تُنَظِّفُون عَذِراتِكم؟
أَي أَفْنِيَتكم. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبّ النَّظافةَ فَنَظِّفُوا عَذِراتكم وَلَا تَشَبَّهوا بِالْيَهُودِ.
وَفِي حَدِيثِ رُقَيقة: وَهَذِهِ عِبِدَّاؤُك بعَذِراتِ حَرَمِك، وَقِيلَ: العَذِرةُ أَصلها فِناءُ الدَّارِ، وإِيَّاها أَرادَ عليٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِقَوْلِهِ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وإِنما سُمِّيَتْ عَذِراتُ النَّاسِ بِهَذَا لأَنها كَانَتْ تُلْقَى بالأَفْنِية، فكُنِيَ عَنْهَا بِاسْمِ الْفَنَاءِ كَمَا كُنِيَ بِالْغَائِطِ وَهِيَ الأَرض الْمُطْمَئِنَّةُ عَنْهَا؛ وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ يَهْجُو قَوْمَهُ وَيَذْكُرُ الأَفنية:
لعَمْرِي لَقَدْ جَرَّبْتُكم، فوَجَدْتُكم ... قِباحَ الوُجوهِ سَيِّئِي العَذِراتِ
أَراد: سَيِّئِينَ فَحَذَفَ النُّونَ للإِضافة؛ وَمَدَحَ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ إِبِلَهُ فَقَالَ:
مَهارِيس يُرْوِي رِسْلُها ضَيْفَ أَهْلِها، ... إِذا النارُ أَبْدَتْ أَوْجُهَ الخفِراتِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بِئْسَ الرَّجُلُ أَنت تَمْدَحُ إبِلَكَ وَتَهْجُو قومَك وَفِي الْحَدِيثِ:
اليهودُ أَنْتَنُ خَلْقِ اللَّهِ عَذِرةً؛ يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بِهِ الفِناءَ وأَن يَعْنِيَ بِهِ ذَا بطونِهم، وَالْجَمْعُ عَذِرات؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما ذَكَّرْتُهَا لأَن الْعَذِرَةَ لَا تُكَسَّرُ؛ وإِنه لَبَرِيءُ العَذِرة مِنْ ذَلِكَ عَلَى المثَل، كَقَوْلِهِمْ بَرِيءُ الساحةِ. وأَعْذَرَت الدارُ أَي كَثُرَ فِيهَا العَذِرةُ. وتعَذَّرَ مِنَ العَذِرَة أَي تلَطَّخ. وعَذّره تَعْذيراً: لطَّخَه بالعَذِرَة. والعَذِرة أَيضاً: المَجْلِسُ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ الْقَوْمُ. وعَذِرةُ الطعامِ: أَرْدَأُ مَا يُخْرَجُ مِنْهُ فيُرْمَى بِهِ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ العَذِرة والعَذِبة. والعُذْرُ: النُّجْحُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وأَنشد لِمِسْكِينٍ الدَّارِمِيِّ:
ومُخاصِم خاصَمْتُ فِي كَبَدٍ، ... مِثْلِ الدِّهان، فَكَانَ لِيَ العُذْرُ
أَي قاوَمْتُه فِي مزلّةٍ فَثَبَتَتْ قَدَمِي وَلَمْ تَثْبُتْ قدمُه فَكَانَ النُّجْحُ لِي. وَيُقَالُ فِي الْحَرْبِ: لِمَنِ العُذْرُ؟ أَي النَّجْحُ وَالْغَلَبَةُ. الأَصمعي: لَقِيتُ مِنْهُ عاذُوراً أَي شَرًّا، وَهُوَ لُغَةٌ فِي العاثُور أَو لُثْغَةٍ. وَتَرَكَ المطرُ بِهِ عاذِراً أَي أَثراً. والعواذِيرُ: جَمْعُ العاذِرِ، وَهُوَ الأَثر. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عاذِرٌ
أَي أَثر. والعاذِرُ: العِرْقُ الَّذِي يخرُج مِنْهُ دمُ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَاللَّامُ أَعرف(٧). والعاذِرةُ: المرأَة الْمُسْتَحَاضَةُ، فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، مِنْ إِقامة العُذْر؛ وَلَوْ قَالَ إِن العاذِرَ هُوَ الْعِرْقُ نَفْسُهُ لأَنه يَقُومُ بِعُذْرِ المرأَة لَكَانَ وَجْهًا، وَالْمَحْفُوظُ الْعَاذِلُ، بِاللَّامِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: العُذْرُ والنُّذْر وَاحِدٌ، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَبَعْضُهُمْ يُثَقِّل، قَالَ أَبو جَعْفَرٍ: مَن ثَقَّل أَراد عُذْراً أَو نُذْراً، كَمَا تَقُولُ رُسُل فِي رُسْل؛ وَقَالَ الأَزهري فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: عُذْراً أَوْ نُذْراً، فِيهِ قَوْلَانِ: أَحدهما أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ فالمُلْقِيات ذِكْراً للإِعْذار والإِنذار، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنهما نُصِبَا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ ذِكْراً، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَن تنصِبَهما بِقَوْلِهِ ذِكْراً؛ الْمَعْنَى فَالْمُلْقِيَاتِ إِن ذَكَرَتْ عُذْرًا أَو نُذْرًا، وَهُمَا اسْمَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الإِعْذار والإِنْذار، وَيَجُوزُ تخفيفُهما وتثقيلُهما معاً.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا عاتَبَك عَلَى أَمر قَبْلَ التقدُّم إِليك فِيهِ: وَاللَّهِ مَا استْتَعْذَرْتَ إِليَّ ما اسْتَنْذَرْت أَي لَمْ تُقَدِّمْ إِليَّ المَعْذِرةَ والإِنذارَ. والاستعذارُ: أَن تَقُولَ لَهُ أَعْذِرْني مِنْكَ. وحمارٌ عَذَوَّرٌ: واسعُ الْجَوْفِ فحّاشٌ. والعَذَوَّرُ أَيضاً: السيء الخلُق الشَّدِيدُ النفْس؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
حُلْو حَلال الْمَاءِ غَيْرُ عَذَوّر
أَي مَاؤُهُ وحوضُه مُبَاحٌ. ومُلْكٌ عَذَوَّرٌ: وَاسْعٌ عَرِيضٌ، وَقِيلَ شَدِيدٌ؛ قَالَ كَثِيرُ بْنُ سَعْدٍ:
أَرَى خَاليَ اللَّخْمِيَّ نُوحاً يَسُرُّني ... كَرِيماً، إِذا مَا ذَاحَ مُلْكاً عَذَوَّرا
ذَاحَ وحاذَ: جَمَعَ، وأَصل ذَلِكَ فِي الإِبل. وعُذْرة: قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَنِ؛ وَقَوْلُ زَيْنَبَ بِنْتِ الطَّثَرِيَّةَ تَرْثِي أَخاها يَزِيدَ:
يُعِينُك مَظْلوماً ويُنْجِيك ظَالِمًا، ... وكلُّ الَّذِي حَمَّلْتَه فَهُوَ حامِلُهْ
إِذا نَزلَ الأَضْيافُ كَانَ عَذَوَّراً ... عَلَى الحَيِّ، حَتَّى تَسْتَقلَّ مَراجِلُه
قَوْلُهُ: وَيُنْجِيكَ ظَالِمًا أَي إِن ظَلَمْتَ فطُولِبْت بظُلْمِكَ حَماكَ ومَنَعَ مِنْكَ. والعَذوَّر: السَّيِّءُ الْخُلُقِ، وإِنما جعلَتْه عَذوَّراً لِشِدَّةِ تَهَمُّمِه بأَمر الأَضياف وحِرْصِه عَلَى تَعْجِيلِ قِراهم حَتَّى تَسْتَقِلَّ الْمَرَاجِلُ عَلَى الأَثافيّ. والمَراجلُ: الْقُدُورُ، واحدها مِرْجَل.