درك
(دَرَكَ)
الدَّالُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لُحُوقُ الشَّيْءِ
بِالشَّيْءِ وَوُصُولُهُ إِلَيْهِ. يُقَالُ
أَدْرَكْتُ الشَّيْءَ
أُدْرِكُهُ
إِدْرَاكًا. وَيُقَالُ: فَرَسٌ
دَرَكُ الطَّرِيدَةِ، إِذَا كَانَتْ لَا تَفُوتُهُ طَرِيدَةٌ. وَيُقَالُ:
أَدْرَكَ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ، إِذَا بَلَغَا.
وَتَدَارَكَ الْقَوْمُ: لَحِقَ آخِرُهُمْ أَوَّلَهُمْ.
وَتَدَارَكَ الثَّرَيَانِ، إِذَا
أَدْرَكَ الثَّرَى الثَّانِي الْمَطَرَ الْأَوَّلَ. فَأَمَّا قَوْلُهُ
تَعَالَى:
{بَلِ
ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ}
[النمل: 66] ، فَهُوَ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ عِلْمَهُمْ
أَدْرَكَهُمْ فِي الْآخِرَةِ حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ.
وَالدَّرَكُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْحَبْلِ تُشَدُّ فِي طَرَفِ الرِّشَاءِ
إِلَى عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ؛ لِئَلَّا يَأْكُلَ الْمَاءُ الرِّشَاءَ. وَهُوَ
وَإِنْ كَانَ لِهَذَا فَبِهِ
تُدْرَكُ الدَّلْوُ.
وَمِنْ ذَلِكَ
الدَّرَكُ، وَهِيَ مَنَازِلُ أَهْلِ النَّارِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ
[دَرَجَاتٌ، وَالنَّارَ]
دَرَكَاتٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}
[النساء: 145] ، وَهِيَ مَنَازِلُهُمُ الَّتِي
يُدْرِكُونَهَا وَيَلْحَقُونَ بِهَا. نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا!
درك
الدَّرْكُ كالدّرج، لكن الدّرج يقال اعتبارا بالصّعود،
والدّرك اعتبارا بالحدور، ولهذا قيل: درجات الجنّة،
ودَرَكَات النار، ولتصوّر الحدور في النار سمّيت هاوية، وقال تعالى:
﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾
[النساء : 145] ،
والدّرك(١)
أقصى قعر البحر.
ويقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر
ليدرك الماء
دَرَكٌ، ولما يلحق الإنسان من تبعة
دَرَكٌ(٢)
كالدّرك في البيع(٣)
. قال تعالى:
﴿لا تَخافُ
دَرَكاً وَلا تَخْشى﴾
[طه : 77] ، أي: تبعة.
وأَدْرَكَ: بلغ أقصى الشيء،
وأَدْرَكَ الصّبيّ: بلغ غاية الصّبا، وذلك حين البلوغ، قال:
﴿حَتَّى إِذا
أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ﴾
[يونس : 90] ، وقوله:
﴿لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الْأَبْصارَ﴾
[الأنعام : 103] ، فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة، ومنهم
من حمله على البصيرة، وذكر أنه قد نبّه به على ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه
في قوله: (يا من غاية معرفته القصور عن معرفته) إذ كان غاية معرفته تعالى أن
تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بشيء منها، ولا بمثلها بل هو موجد كلّ ما
أدركته.
والتَّدَارُكُ في الإغاثة والنّعمة أكثر، نحو قوله تعالى:
﴿لَوْلا أَنْ
تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾
[القلم : 49] ، وقوله:
﴿حَتَّى إِذَا
ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً﴾
[الأعراف : 38] ، أي: لحق كلّ بالآخر. وقال:
﴿بَلِ
ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾
[النمل : 66] ، أي:
تدارك، فأدغمت التاء في الدال، وتوصّل إلى السكون بألف الوصل، وعلى ذلك
قوله تعالى:
﴿حَتَّى إِذَا
ادَّارَكُوا فِيها﴾
[الأعراف : 38] ، ونحوه:
﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾
[التوبة : 38] ، و﴿اطَّيَّرْنا
بِكَ﴾
[النمل : 47] ، وقرئ: بل
أدرك علمهم في الآخرة(٤)
، وقال الحسن: معناه جهلوا أمر الآخرة(٥)
، وحقيقته انتهى علمهم في لحوق الآخرة فجهلوها. وقيل معناه: بل
يدرك علمهم ذلك في الآخرة، أي: إذا حصلوا في الآخرة، لأنّ ما يكون ظنونا
في الدّنيا، فهو في الآخرة يقين.
درك
درك:
الدَّرَكُ: اللحَاق، وَقَدْ
أَدركه. وَرَجُلٌ
دَرَّاك:
مُدْرِك كثير
الإِدْراك، وقلما يَجِئْ فَعَّال مِنْ أَفْعَلَ يُفْعِل إِلَّا أَنهم
قَدْ قَالُوا حَسَّاس
دَرّاك، لُغَةٌ أَو ازْدِوَاجٌ، وَلَمْ يَجِئْ فَعَّال مِنْ أَفْعَلَ
إلَّا
دَرَّاك مِنْ
أَدْرَك، وجَبّار مِنْ أَجبره عَلَى الْحُكْمِ أَكرهه، وسَأْآر مِنْ
قَوْلِهِ أَسأَر فِي الكأْس إِذا أَبقى فِيهَا سؤْراً مِنَ الشَّرَابِ وَهِيَ
الْبَقِيَّةُ، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ
مُدْرِكةٌ، بِالْهَاءِ، سَرِيعُ
الإِدْراكِ،
ومُدْرِكةُ: اسْمُ رَجُلٍ مُشْتَقٌّ مِنَ ذَلِكَ.
وتَدَاركَ القومُ: تَلَاحَقُوا أَي لَحِق آخرُهم أَولَهم. وَفِي
التَّنْزِيلِ: حَتَّى إِذَا
ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً؛ وأَصله
تَدَاركوا فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ وَاجْتُلِبَتِ الأَلف
لِيَسْلَمَ السُّكُونُ.
وتَدَارك الثَّرَيان أَي
أَدرك ثَرَى الْمَطَرِ ثَرَى الأَرض. اللَّيْثُ:
الدَّرَك
إِدْرَاكُ الْحَاجَةِ ومَطْلبِه. يُقَالُ: بَكِّرْ فَفِيهِ
دَرَك.
والدَّرَك: اللَّحَقُ مِنَ التَّبِعَةِ، وَمِنْهُ ضَمَانُ
الدَّرَكِ فِي عُهْدَةِ الْبَيْعِ.
والدَّرَك: اسْمٌ مِنَ
الإِدْراك مِثْلَ اللَّحَق. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَعوذ بِكَ مِنْ
دَرْك الشَّقاء؛
الدَّرْك: اللَّحاق وَالْوُصُولُ إِلى الشَّيْءِ،
أَدركته
إِدْراكاً
وَدَرَكًا وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْ قَالَ إِن شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ
دَرَكاً لَهُ فِي حَاجَتِهِ.
والدَّرَك: التَّبِعةُ، يُسَكَّنُ وَيُحَرَّكُ. يُقَالُ: مَا لَحِقك مِنْ
دَرَكٍ فعليَّ خلاصُه.
والإِدْراكُ: اللُّحُوقُ. يُقَالُ: مَشَيْتُ حَتَّى
أَدْرَكته وعِشْتُ حَتَّى
أَدْرَكْتُ زَمَانَهُ.
وأَدْرَكْتُه بِبَصَرِي أَي رأَيته
وأَدْرَكَ الغلامُ
وأَدْرَكَ الثمرُ أَي بَلَغَ، وَرُبَّمَا قَالُوا
أَدْرَكَ الدَّقِيقُ بِمَعْنَى فَنِيَ.
واستَدْرَكْت مَا فَاتَ
وَتَدَارَكْتُهُ بِمَعْنًى. وَقَوْلُهُمْ:
دَرَاكِ أَي
أَدْرِكْ، وَهُوَ اسْمٌ لِفِعْلِ الأَمر، وَكُسِرَتِ الْكَافُ
لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ لأَن حَقَّهَا السُّكُونُ للأَمر؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: جَاءَ
دَرَاك
ودَرَّاك وفَعَال وفَعَّال إِنما هُوَ مِنْ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ وَلَمْ
يُسْتَعْمَلْ مِنْهُ فِعْلٌ ثُلَاثِيٌّ، وإِن كَانَ قَدِ اسْتُعْمِلَ مِنْهُ
الدَّرْكُ؛ قَالَ جَحْدَر بْنُ مَالِكٍ الْحَنْظَلِيُّ يُخَاطِبُ الأَسد:
لَيْثٌ ولَيْثٌ فِي مَجالٍ ضنكِ، ... كِلَاهُمَا ذُو أَنَف ومَحْكِ
وبَطْشةٍ وصَوْلةٍ وفَتْك، ... إِن يَكْشِف اللَّهُ قِناع الشَّكِّ
بظَفَرٍ مِنْ حَاجَتِي
ودَرْك، ... فَذَا أَحَقُّ مَنْزِل بتَرْكِ
قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَزَادَنِي هَفَّانُ فِي هَذَا الشِّعْرِ:
الذِّئْبُ يَعْوي والغُراب يَبْكي
قَالَ الأَصمعي: هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ مُفَرِّغ:
الريحُ تَبْكي شَجْوَها، ... والبرقُ يَضحك فِي الغَمَامة
قَالَ: ثُمَّ قَالَ جَحْدَرٌ أَيضاً فِي ذَلِكَ:
يَا جُمْلُ إِنكِ لَوْ شهِدْتِ كَرِيهتي، ... فِي يَوْمِ هَيْجٍ مُسْدِفٍ
وعَجاجِ،
وتَقَدُّمِي لِلَيْثِ أَرْسُف نَحْوَهُ، ... كَيْما أُكابِرَه عَلَى
الأَحْرَاجِ
قَالَ: وَقَالَ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ فِي
دَرَّاك:
وَصَاحِبُ الوَتْرِ لَيْسَ الدَّهْرَ
مُدْرِكَهُ ... عِنْدِي، وإِني
لدَرَّاكٌ بأَوْتارِ
والدِّراك: لَحَاقُ الفرسِ الوحْشَ وَغَيْرَهَا. وَفَرَسٌ
دَرَك الطَّريدة
يُدْرِكها كَمَا قَالُوا فَرَسٌ قَيْدُ الأَوَابِدِ أَي أَنه يُقَيِّدها.
والدَّرِيكة: الطَّريدةُ.
والدِّراك: اتِّبَاعُ الشَّيْءِ بَعْضُهُ عَلَى بعضٍ فِي الأَشياء
كُلِّهَا، وَقَدْ
تَدَارك،
والدِّراك:
المُداركة. يُقَالُ:
دَارَك الرَّجُلَ صَوْتُهُ أَي تَابَعَهُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ:
المُتَدَارِكة غير المُتَوَاتِرة. المُتَواتِرُ: الشيءُ الَّذِي يَكُونُ
هُنَيَّةً ثُمَّ يجيءُ الْآخَرُ، فَإِذَا تَتَابَعَتْ فَلَيْسَتْ مُتَوَاتِرة،
هِيَ
مُتَداركة مُتَوَاتِرَةٌ. اللَّيْثُ:
المُتَدَارِك مِنَ القَوَافي وَالْحُرُوفِ الْمُتَحَرِّكَةِ مَا اتَّفَقَ
مُتَحَرِّكَانِ بَعْدَهُمَا سَاكِنٌ مِثْلُ فَعُو وأَشباه ذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ
سِيدَهْ:
والمُتَدَارِكُ مِنَ الشِّعْر كُلُّ قَافِيَةٍ تَوَالَى فِيهَا حَرْفَانِ
مُتَحَرِّكَانِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، وَهِيَ متفاعِلُنْ وَمُسْتَفْعِلُنْ
ومفاعِلُنْ، وفَعَلْ إِذا اعْتَمَدَ عَلَى حَرْفٍ سَاكِنٍ نَحْوَ فَعُولُنْ
فَعَلْ، فَاللَّامُ مِنْ فَعَلْ سَاكِنَةٌ، وفُلْ إِذا اعْتَمَدَ عَلَى حَرْفٍ
مُتَحَرِّكٍ نَحْوَ فَعُولُ فُلْ، اللَّامُ مِنْ فُلْ سَاكِنَةٌ وَالْوَاوُ مِنْ
فَعُولُ سَاكِنَةٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَوَالِي حَرَكَتَيْنِ فِيهَا، وَذَلِكَ
أَن الْحَرَكَاتِ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ آلَاتِ الْوَصْلِ وأَماراته، فكأنَّ
بَعْضَ الْحَرَكَاتِ
أَدرك بَعْضًا وَلَمْ يَعُقْه عَنْهُ اعْتِرَاضُ السَّاكِنِ بَيْنَ
الْمُتَحَرِّكَيْنِ. وطَعَنَهُ طَعْنًا
دِراكاً وشرِب شُرْبًا
دِراكاً، وَضَرْبٌ
دِراكٌ: مُتَتَابِعٌ.
والتَّدْرِيكُ: مِنَ الْمَطَرِ: أَن
يُدَارِكَ القَطْرُ كَأَنَّهُ
يُدْرِك بعضُه بَعْضًا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد أَعرابي يُخَاطِبُ
ابنه:
وَا بِأَبي أَرْواحُ نَشْرِ فِيكا، كأَنه وهْنٌ لِمَنْ
يَدْرِيكا ... إِذا الكَرى سنَاتِهِ يُغْشِيكا،
رِيحَ خُزامَى وُلِّيَ الرَّكِيكا، ... أَقْلَعَ لمَّا بَلَغَ
التَّدْرِيكا
واسْتَدْرَك الشيءَ بالشيءِ: حَاوَلَ
إِدْراكه بِهِ، وَاسْتَعْمَلَ هَذَا الأَخفش فِي أَجزاء الْعَرُوضِ
فَقَالَ: لأَنه لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الْجُزْءِ شَيْءٌ
فَيَسْتَدْرِكَهُ.
وأَدْرَكَ الشيءُ: بَلَغَ وَقْتُهُ وَانْتَهَى.
وأَدْرَك أَيضاً: فَنِيَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بَلِ
ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ رُوِيَ
عَنِ الْحَسَنِ أَنه قَالَ: جَهِلُوا عِلْمَ الْآخِرَةِ
أَي لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ فِي أَمر الْآخِرَةِ. التَّهْذِيبُ:
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ
ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ قرأَ
شَيْبَةُ وَنَافِعٌ بَلِ
ادَّرَاك
وقرأَ
أَبو عَمْرٍو بَلْ
أَدْرَكَ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ مُجَاهِدٍ وأُبي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ،
وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قرأَ: بَلى
آأَدْرَك عِلْمُهُمْ، يَسْتَفْهِمُ وَلَا يُشَدِّدُ، فأَما مَنْ قرأَ
بَلِ
ادَّارَكَ
فَإِنَّ الْفَرَّاءَ قَالَ: مَعْنَاهُ لُغَةً
تَدَارَك أَي تَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، يُرِيدُ بِعِلْمِ
الْآخِرَةِ تَكُونُ أَو لَا تَكُونُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ
مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ، قَالَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ
أُبيّ أَم
تَدارَكَ، وَالْعَرَبُ تجعَل بَلْ مَكَانَ أَم وأَم مَكَانَ بَلْ إِذا
كَانَ فِي أَول الْكَلِمَةِ اسْتِفْهَامٌ مثل قول الشاعر:
فو الله مَا أَدْرِي، أَسَلْمَى تَغَوَّلَتْ، ... أَم البُومُ، أَم كلٌّ
إِليَّ حَبِيبُ
مَعْنَى أَم بَلْ؛ وَقَالَ أَبو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: وَمَنْ قرأَ
بَلْ
أَدْرَك
وَمَنْ قرأَ بَلِ
ادَّارَكَ
فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، يَقُولُ: هُمْ عُلَمَاءٌ فِي الْآخِرَةِ
كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا،
وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ: اجْتَمَعَ
عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَمَعْنَاهَا عِنْدَهُ أَي عَلِمُوا فِي الْآخِرَةِ
أَن الَّذِي كَانُوا يوعَدُون بِهِ حَقٌّ؛ وأَنشد للأَخطل:
وأَدْرَكَ عِلْمي فِي سُوَاءَة أَنها ... تُقِيمُ عَلَى الأَوْتار
والمَشْرَب الْكَدَرِ
أَي أَحاط عِلْمِي بِهَا أَنها كَذَلِكَ. قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ
فِي تَفْسِيرِ
أَدْرَكَ
وادَّارَكَ وَمَعْنَى الْآيَةِ مَا قَالَ السُّدِّيُّ وَذَهَبَ إِليه
أَبو مُعَاذٍ وأَبو سَعِيدٍ، وَالَّذِي قَالَهُ الْفَرَّاءُ فِي مَعْنَى
تَدَارَكَ أَي تتَابع عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَنها تَكُونُ أَو لَا
تَكُونُ لَيْسَ بالبَيِّنِ، إِنما الْمَعْنَى أَنه تتَابع عِلْمُهُمْ فِي
الْآخِرَةِ وتواطأَ حِينَ حَقَّت الْقِيَامَةُ وَخَسِرُوا وَبَانَ لَهُمْ صِدْقُ
مَا وُعِدُوا، حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ الْعِلْمُ، ثُمَّ قَالَ
سُبْحَانَهُ: بَلْ هُمْ الْيَوْمَ فِي شَكٍّ مِنْ عِلْمِ الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ
مِنْهَا عَمُون، أَي جَاهِلُونَ، والشَّك فِي أَمر الْآخِرَةِ كُفْرٌ. وَقَالَ
شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
بَلْ
أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِيهَا أَشياء،
وَذَلِكَ أَنا وَجْدَنَا الْفِعْلَ اللَّازِمَ وَالْمُتَعَدِّيَ فِيهَا فِي
أَفْعَلَ وتَفَاعَلَ وافْتَعَلَ وَاحِدًا، وَذَلِكَ أَنك تَقُولُ
أَدْرَكَ الشيءَ
وأَدْرَكْتُه
وتَدَارك القومُ
وادَّارَكوا
وادَّرَكُوا إِذا
أَدرَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَيُقَالُ:
تَدَاركتُه
وادَّارَكْتُه
وادَّرَكْتُه؛ وأَنشد:
تَدَاركتُما عَبْساً وذُبْيان بعد ما ... تفانَوْا، ودَقُّوا بَيْنَهُمْ
عِطْر مَنْشِمِ
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مَجَّ النَّدَى
المُتَدارِكِ
فَهَذَا لَازِمٌ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
فَلَمَّا
ادَّرَكْناهُنَّ أَبدَيْنَ للهَوَى
وَهَذَا مُتَعَدٍّ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللَّازِمِ: بَلِ
ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ.
قَالَ شَمِرٌ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ يُحَدِّثُ عَنِ الثَّوْرِيِّ
فِي قَوْلِهِ: بَلِ
ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ
قَالَ مُجَاهِدٌ: أَم تواطأَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ قَالَ
الأَزهري: وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ السُّدِّيِّ لأَن مَعْنَى تواطأَ تَحَقَّقَ
وَاتَّفَقَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ، لَا عَلَى أَنه تواطأَ بالحَدْس كَمَا
ظَنَّهُ الْفَرَّاءُ؛ قَالَ شَمِرٌ: وَرُوِيَ لَنَا حَرْفٌ عَنِ ابْنِ
الْمُظَفَّرِ قَالَ وَلَمْ أَسمعه لِغَيْرِهِ ذَكَرَ أَنه قَالَ
أَدْرَكَ الشيءُ إِذا فَنِيَ، فإِن صَحَّ فَهُوَ فِي التَّأْوِيلِ
فَنِيَ علمُهم فِي مَعْرِفَةِ الْآخِرَةِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا
غَيْرُ صَحِيحٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، قَالَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحداً قَالَ
أَدْرك الشيءُ إِذا فَنِيَ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ،
وَلَكِنْ يُقَالُ
أَدْرَكتِ الثِّمار إِذا بَلَغَتْ إِناهَا وَانْتَهَى نُضْجها؛ وأَما
مَا رُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قرأَ بَلَى
آأَدْرَكَ عِلْمهم فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ إِن صَحَّ اسْتِفْهَامٌ
فِيهِ رَدٌّ وَتَهَكُّمٌ، وَمَعْنَاهُ لَمْ
يُدْرِكْ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ رَوَى شُعْبَةُ
عَنْ أَبي حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ؛ مَعْنَى أَم
أَلف الِاسْتِفْهَامِ كأَنه قَالَ أَله الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ،
اللَّفْظُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ الرَّدُّ وَالتَّكْذِيبُ لَهُمْ،
وَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لَا تَخافُ
دَرَكاً وَلا تَخْشى؛ أَي لَا تَخَافُ أَن
يُدْرِكَكَ فرعونُ وَلَا تَخْشَاهُ، وَمَنْ قرأَ
لَا تَخَفْ
فَمَعْنَاهُ لَا تَخَفْ أَن
يُدْرِكَكَ وَلَا تخشَ الْغَرَقَ.
والدَّرْكُ
والدَّرَكُ: أَقصى قَعْر الشَّيْءِ، زَادَ التَّهْذِيبُ: كَالْبَحْرِ
وَنَحْوِهِ. شَمِرٌ:
الدَّرَكُ أَسفل كُلِّ شَيْءٍ ذِي عُمْق كالرَّكِيَّة وَنَحْوِهَا.
وَقَالَ أَبو عَدْنَانَ: يُقَالُ
أَدْرَكوا مَاءَ الرَّكيّة
إِدراكاً،
ودَرَك الرَّكِيَّة قَعْرُهَا الَّذِي
أُدرِكَ فِيهِ الْمَاءُ،
والدَّرَكُ الأَسفل فِي جَهَنَّمَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا: أَقصى
قَعْرِهَا، وَالْجَمْعُ
أَدْرَاك.
ودَرَكاتُ النارِ: مَنَازِلُ أَهلها، وَالنَّارُ
دَرَكات وَالْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ، وَالْقَعْرُ الْآخِرُ
دَرْك
ودَرَك،
والدَّرَك إِلى أَسفل والدَّرَجُ إِلى فَوْقٍ، وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ
الدَّرَك الأَسفل مِنَ النَّارِ، بِالتَّحْرِيكِ وَالتَّسْكِينِ، وَهُوَ
وَاحِدُ
الأَدْراك وَهِيَ مَنَازِلُ فِي النَّارِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا.
التَّهْذِيبُ:
والدَّرَكُ وَاحِدٌ مِنْ
أَدْرَاك جَهَنَّمَ مِنَ السَّبْعِ،
والدَّرْكُ لُغَةٌ فِي
الدَّرَك. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، يُقَالُ: أَسفل دَرَجِ النَّارِ.
ابْنُ الأَعرابي:
الدَّرْك الطَّبَقُ مِنْ أَطباق جَهَنَّمَ، وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنه قَالَ:
الدَّرْكُ الأَسفل توابِيتُ مِنْ حَدِيدٍ تصَفَّدُ عَلَيْهِمْ فِي أَسفل
النَّارِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: جَهَنَّمُ
دَرَكاتٌ أَي مَنَازِلُ وأَطباق، وَقَالَ غَيْرُهُ:
الدَّرَكات بَعْضُهَا تَحْتَ بَعْضٍ قَالَ الأَزهري: والدَّرَجات
مَنَازِلُ ومَرَاقٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ،
فالدَّرَكات ضِدُّ الدَّرَجات. وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ: أَنه قَالَ
لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَما كَانَ يَنْفَعُ عَمَّك مَا كَانَ يَصْنَعُ بِكَ؟ كَانَ
يَحْفَظُكَ ويَحْدَب عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَقَدْ أُخْرِجَ بِسَبَبِي مِنْ أَسفل
دَرَك مِنَ النَّارِ فَهُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، مَا يَظُنُّ أَن
أَحداً أَشدُّ عَذَابًا مِنْهُ، وَمَا فِي النَّارِ أَهون عَذَابًا مِنْهُ؛
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا دَلَّ عَلَى أَن أَسفل
الدَّرَكِ أَشدُّ الْعَذَابِ لِجَعْلِهِ، ﷺ، إِياه ضِدًّا للضَّحضاح أَو
كَالضِّدِّ لَهُ، والضَّحضاح أُريد بِهِ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلُ
الْمَاءِ الضَّحْضَاحِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الغَمْر؛ وَقِيلَ لأَعرابي: إِن
فُلَانًا يَدَّعِي الْفَضْلَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ أَطول مِنْ
مَسِيرَةِ شَهْرٍ مَا بَلَغَ فَضْلِي وَلَوْ وَقَعَ فِي ضَحْضاح لغَرِقَ أَي
لَوْ وَقَعَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ مِيَاهِ شَرَفي وَفَضْلِي لَغَرِقَ فِيهِ.
قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ لِلْحَبْلِ الَّذِي
يُعَلَّقُ فِي حَلْقةِ التَّصْديرِ فَيُشَدُّ بِهِ القَتَبُ
الدَّرَكَ والتَّبْلِغَةَ، وَيُقَالُ لِلْحَبَلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ
العَرَاقي ثُمَّ يُشَدّ الرِّشاءُ فِيهِ وَهُوَ مَثْنِيُّ
الدَّرَكُ. الْجَوْهَرِيُّ:
والدَّرَك، بِالتَّحْرِيكِ، قِطْعَةُ حَبْلٍ يُشَدُّ فِي طَرَفِ
الرِّشاءِ إِلى عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَاءَ
فَلَا يعفَن الرِّشاءُ. ابْنُ سِيدَهْ:
والدَّرَك حَبْلٌ يُوَثَّقُ فِي طَرَفِ الْحَبْلِ الْكَبِيرِ لِيَكُونَ
هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَاءَ فَلَا يعفَن الرِّشَاءُ عِنْدَ الِاسْتِقَاءِ.
والدِّرْكةُ: حَلْقة الوَتَرِ الَّتِي تَقَعُ فِي الفُرْضة وَهِيَ
أَيضاً سَيْرٌ يوصَلُ بوَتَر القَوْس الْعَرَبِيَّةِ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ:
الدِّرْكة الْقِطْعَةُ الَّتِي تُوصَلُ فِي الْحَبْلِ إِذا قَصُر أَو
الحِزام. وَيُقَالُ: لَا بارَك اللَّهُ فِيهِ وَلَا
دارَك وَلَا تارَك، إِتباع كُلُّهُ بِمَعْنًى. وَيَوْمُ
الدَّرَكِ: يَوْمٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَيامهم.
ومُدْرِك
ومُدْرِكَةُ: اسْمَانِ.
ومُدْرِكةُ: لَقَبُ عَمْرِو بْنِ إِلياس بْنِ مُضَر، لَقَّبَهُ بِهَا
أَبوه لَمَّا
أَدرك الإِبل.
ومُدْرك بْنُ الْجَازِيِّ: فَرَسٌ لكُلْثوم بن الحرث.
ودِراكٌ: اسْمُ كَلْبٍ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَصِفُ الثَّوْرَ
وَالْكِلَابَ:
فاخْتلَّ حِضْنَيْ
دِراكٍ وانْثَنى حرِجاً، ... لزارعٍ طَعْنَةٌ فِي شِدْقها نَجَلُ
أَي فِي جَانِبِ الطَّعْنَةِ سِعَةٌ. وَزَارِعٌ أَيضاً: اسم كلب.