قي (مقاييس اللغة)

الباء والقاف والياء أصلٌ واحد، وهو الدّوام. قال الخليل: يقال بقِيَ الشيءُ يبقى بَقاءً، وهو ضدّ الفناء. قال: ولغةُ طيٍّ بَقَى يَبْقَى، وكذلك لغَتُهم في كلِّ مكسورٍ ما قبلَها، يجعلونها ألِفاً، نحو بَقَى ورَضا.
وإنما فعَلُوا ذلك لأنّهم يكرهونَ اجتماعَ الكسرةِ والياءِ، فيفتحون ما قَبْلَ الياء، فتنقلِبُ الياءُ ألِفاً، ويقولون في جارية جَارَاة، وفي بانِية باناة، وفي ناصية ناصاة. قال:
وما صَدَّ عَنِّي خالدٌ من بَقِيَّةٍ    ولكنْ أَتَتْ دُوني الأُسودُ الهَواصِرُ

يريد بالبَقِيّة هاهنا البُقْيا عليه.
ويقول العرب: نشَدْتُكَ اللهَ والبُقيَا.
وربما قالوا البَقْوَى. قال الخليل: استبقَيْتُ فلاناً، وذلك أن تعفُوَ عن زَلَلِهِ فَتسْتَبْقِيَ مودَّتَه. قال النابغة:
فَلَسْتَ بمُسْتَبْق أخاً لا تَلُمُّهُ    على شَعَثٍ أَيُّ الرِّجالِ المُهذَّبُ

ويقول العرب: هو يَبْقِي الشيءَ بِبصَرِه إذا كان ينظُر إليه ويرصُدُه. قال الكميت:
ظَلَّتْ وظَلَّ عَذُوباً فوقَ رابِيَةٍ    تَبْقِيهِ بالأَعيُنِ المَحْرُومةِ العُذُبِ

يصف الحمار أنّه أرادَ أنْ يَرِدَ بأُتُنِهِ فوق رابيةٍ، وانتظَرَ غُروبَ الشمس.
وكذلك بات فلان يَبْقِي البَرْقَ إذا صار ينظُرُ إليه أيْنَ يَلْمَع. قال الفزاريّ:
قد هاجَني الليلةَ بَرْقٌ لامِعُ    فبِتُّ أَبقِيهِ وطَرْفِي هامِعُ

قال ابن السّكّيت: بَقَيْتُ فلاناً أَبْقِيه، إذا رعَيْتَه وانتظرته.
ويقال ابْقِ لي الأذَانَ، أي ارقُبْه لي.
وأنشد:
فما زلتُ أَبقِي الظُّعْنَ حتى كأنها    أَوَاقِي سَدىً تغتالُهنَّ الحَوائِكُ

ومن ذلك حديثُ مُعاذٍ رضي الله عنه: بَقَيْنا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم"، يريد انتَظَرْناه.
وهذا يرجِعُ إلى الأصل الأول؛ لأنّ الانتظارَ بعضُ الثَّبات والدَّوام.

بقي (لسان العرب)
في أَسماء الله الحسنى الباقي: هو الذي لا ينتهي تقدير وجوده في الإستقبال إلى آخر ينتهي إليه، ويعبر عنه بأَنه أَبديّ الوجود.
والبَقاء: ضدّ الفَناء، بَقِيَ الشيءُ 
يَبْقَى بَقاءً وبَقَى بَقْياً، الأَخيرةُ لغة بلحرث بن كعب، وأَبقاه وبَقَّاه وتَبَقَّاه واسْتَبْقاه، والاسم البَقْيَا والبُقْيَا. قال ابن سيده: وأَرى ثعلباً قد حكى البُقْوَى، بالواو وضم الباء.
والبَقْوَى والبَقْيا: إسمان يوضعان موضع الإبْقاء، إن قيل: لم قلبت العرب لام فَعْلَى إذا كانت اسماً وكان لامها ياء واواً حتى قالوا البَقْوَى وما أَشبه ذلك نحو التَّقْوَى والعَوَّى (* قوله «العوَّى» هكذا في الأصل والمحكم)؟ فالجواب: أَنهم إنما فعلوا ذلك في فَعْلى لأَنهم قد قلبوا لام الفُعْلَى، إذا كانت اسماً وكانت لامها واواً، ياء طلباً للخفة، وذلك نحو الدُّنْيا والعُلْيا والقُصْيا، وهي من دَنَوْتُ وعَلَوْتُ وقَصَوْت، فلما قلبوا الواو ياء في هذا وفي غيره مما يطول تعداده عوَّضوا الواو من غلبة الياء عليها في أَكثر المواضع بأَن قلبوها في نحو البَقْوَى والثَّنْوَى واواً، ليكون ذلك ضرباً من التعويض ومن التكافؤ بينهما.
وبقي الرجلُ زماناً طويلاً أَي عاش وأَبقاه الله. الليث: تقول العرب (* قوله «الليث تقول العرب إلخ» هذه عبارة التهذيب وقد سقط منها جملة في كلام المصنف ونصها: تقول العرب نشدتك الله والبقيا وهي البقية، أبو عبيد عن الكسائي قال: البقوى والبقيا هي الإبقاء مثل الرعوى إلخ). نَشَدْتُك الله والبُقْيَا؛ هو الإبقاء مثل الرَّعْوى والرُّعْيا من الإرْعاء على الشيء، وهو الإبْقاء عليه.
والعرب تقول للعدوّ إذا غَلَبَ: البَقِيَّةَ أَي أَبْقُوا علينا ولا تستأْصلونا؛ ومنه قول الأَعشى: قالوا البَقِيَّة والخَطِّيُّ يأْخُذُهم وفي حديث النجاشي والهجرة: وكان 
أَبْقَى الرجلين فينا أَي أَكثر إبقاء على قومه، ويروى بالتاء من التُّقى.
والباقِيةُ توضع موضع المصدر.
ويقال: ما بَقِيَتْ منهم باقِيةٌ ولا وَقاهم الله من واقِيَة.
وفي التنزيل العزيز: فهل تَرى لهم من باقية؛ قال الفراء: يريد من بَقاء.
ويقال: هل ترى منهم باقياً، كل ذلك في العربية جائز حسن، وبَقِيَ من الشيء بَقِيَّةٌ.
وأَبْقَيْتُ على فلان إذا أَرْعَيْتَ عليه ورَحِمْتَه. يقال: لا 
أَبْقَى اللهُ عليك إن أَبْقَيْتَ عليَّ، والإسم البُقْيَا؛ قال اللَّعِين: سَأَقْضِي بين كَلْبِ بَني كُلَيْبٍ، وبَيْنَ القَيْنِ قَيْنِ بَني عِقَالِ فإنَّ الكلبَ مَطْعَمُه خَبيثٌ، وإنَّ القَيْنَ يَعْمَلُ في سِفَالِ فما بُقْيَا عليّ ترَكْتُماني، ولكنْ خِفْتُما صَرَدَ النِّبالِ وكذلك البَقْوى، بفتح الباء.
ويقال: البُقْيَا والبَقْوَى كالفُتْيا والفَتْوَى؛ قال أَبو القَمْقام الأَسَدِيُّ: أُذَكِّرُ بالبَقْوَى على ما أَصابَني، وبَقْوايَ أَنِّي جاهِدٌ غَير مُؤتَلي واسْتَبْقَيتُ من الشيء أَي تركت بعضه.
واسْتبقاه: اسْتَحْياه، وطيِّءٌ تقول 
بَقَى وبَقَتْ مكان بَقِيَ وبَقيَتْ، وكذلك أَخواتها من المعتل؛ قال البَولاني: تَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحَضِيضِ، وتَصْـ ـطادُ نُفُوساً بُنَتْ على الكَرَمِ أَي بُنِيَتْ، يعني إذا أَخطأَ يُورِي النارَ.
والبقيَّةُ: كالبَقْوَى.
والبِقيَّة أَيضاً: ما بقي من الشيء.
وقوله تعالى: بَقِيَّةُ الله خير لكم. قال الزجاج: معناه الحالُ التي 
تبقى لكم من الخير خير لكم، وقيل: طاعة الله خير لكم.
وقال الفراء: يا قوم ما أُبقي لكم من الحلال خير لكم، قال: ويقال مراقبة الله خير لكم. الليث: والباقي حاصل الخَراج ونحوه، ولغة طيء 
بَقَى يَبْقى، وكذلك لغتهم في كل ياء انكسر ما قبلها، يجعلونها أَلفاً نحو بَقَى ورَضَى وفَنَى؛ وقوله عز وجل: والباقياتُ الصالحاتُ خير عند ربك ثواباً؛ قيل: الباقيات الصالحات الصلوات الخمس، وقيل هي الأَعمال الصالحة كلها، وقيل: هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أَكبر. قال: والباقيات الصالحات، والله أَعلم، كل عمل صالح يَبْقَى ثوابه.
والمُبْقِياتُ من الخيل: التي 
يَبْقَى جَريُها بعد انقطاع جَرْي الخيل؛ قال الكَلْحَبةُ اليَرْبوعِيُّ: فأَدْرَكَ إبْقاءَ العَرادَةِ ظَلْعُها، وقد جَعَلَتْني من حزِيمةَ إصْبَعا وفي التهذيب: المُبْقِياتُ من الخيل هي التي تُبْقِي بعضَ جَريها تَدَّخِره.
والمُبْقِياتُ: الأَماكن التي 
تُبقِى ما فيها من مناقع الماء ولا تشربه؛ قال ذو الرمة: فلما رَأَى الرَّائي الثُّرَيَّا بسُدْفةٍ، ونَشَّتْ نِطافُ المُبْقِياتِ الوقائع واسْتَبْقى الرجلَ وأَبقى عليه: وجب عليه قتل فعفا عنه.
وأَبْقيْتُ ما بيني وبينهم: لم أُبالغ في إفساده، والإسم البَقِيَّةُ؛ قال: إنْ تُذْنِبُوا ثم تأْتِيني بَقِيَّتُكم، فما عليَّ بذَنْبٍ منكُم فَوْتُ أَي إبقاؤكم: ويقال: اسْتَبْقَيْتُ فلاناً إذا وجب عليه قتل فعفوت عنه.
وإذا أَعطيت شيئاً وحَبَسْتَ بعضَه قلت: استبقيت بعضه.
واسْتَبْقَيْتُ فلاناً: في معنى العفو عن زلله واسْتِبْقاء مودَّته؛ قال النابغة: ولَسْتَ بمُسْتَبْقِ أَخاً لا تَلُمُّه على شَعَثٍ، أَيُّ الرجالِ المُهَذَّبُ؟ وفي حديث الدعاء: لا تُبْقِي على من يَضْرَعُ إليها، يعني النار. يقال: أَبْقَيْت عليه أُبْقِي إبْقاءً إذا رحمته وأَشفقت عليه.
وفي الحديث: تَبَقَّهْ وتوَقَّهْ؛ هو أَمر من البقاء والوِقاء، والهاء فيهما للسكت، أَي اسْتَبْق النفسَ ولا تُعَرِّضْها للهَلاك وتحرّز من الآفات.
وقوله تعالى: فلولا كان من القرون من قبلكم أُولو بَقِيَّة ينهون عن الفساد؛ معناه أُولو تمييز، ويجوز أُولوا بقية أُولو طاعة؛ قال ابن سيده: فسر بأَنه الإبقاء وفسر بأَنه الفَهْم، ومعنى البَقِيَّة إذا قلت فلان بَقِيَّة فمعناه فيه فَضْل فيما يُمْدَحُ به، وجمع البَقِيَّة بقايا.
وقال القتيبي: أُولو بَقِيَّة من دِينِ قوم لهم بَقِيَّة إذا كانت بهم مُسْكَة وفيهم خير. قال أَبو منصور: البَقيَّة اسم من الإبْقاء كأَنه أَراد، والله أَعلم، فلولا كان من القرون قوم أُولوا إبقاء على أَنفسهم لتمسكهم بالدين المرضي، ونصب إلا قليلاً لأَن المعنى في قوله فلولا كان فما كان، وانتصاب قليلاً على الانقاع من الأَول.
والبُقْيَا أَيضاً: الإبْقاءُ؛ وقوله أَنشده ثعلب: فلولا اتِّقاءُ الله بُقْيايَ فيكما، لَلُمْتُكما لَوْماً أَحَرَّ من الجَمْرِ أَراد بُقْيايَ عليكما، فأَبدل في مَكانَ على، وأَبدل بُقْيايَ من اتقاء الله.
وبَقَاهُ بَقْياً: انتظره ورَصَدَه، وقيل: هو نظرك إليه؛ قال الكُمَيْت وقيل هو لكثير: فما زلْتُ أَبْقِي الظُّعْنَ، حتى كأَنها أَواقِي سَدىً تَغْتالهُنَّ الحَوائِكُ يقول: شبهت الأَظْعَان في تباعدها عن عيني ودخولها في السراب بالغزل الذي تُسْديه الحائكةُ فيتناقص أَوَّلاً فأَوّلاً.
وبَقَيْتُه أَي نظرت إليها وترقبته.
وبَقِيَّةُ الله: انتظارُ ثوابه؛ وبه فسر أَبو عليّ قوله: بقيةُ الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، لأَنه وإنما ينتظر ثوابه من آمن به.
وبَقِيَّةُ: اسم.
وفي حديث معاذ: بَقَيْنا رسولَ الله وقد تأَخر لصلاة العَتَمة، وفي نسخة: بَقَيْنا رسولَ الله في شهر رمضان حتى خَشينا فوتَ الفَلاح أَي انتظرناه.
وبَقَّيْتُه، بالتشديد، وأَبقيَته وتَبَقَّيْتُه كله بمعنى.
وقال الأَحمر في بَقَيْنا: انتظرنا وتبصرنا؛ يقال منه: بَقَيْتُ الرجلَ أَبْقِيه أَي انتظرته ورَقَبْتُه؛ وأَنشد الأَحمر: فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتِها، جُنْحُ النَّواصِي نَحْوَ أَلْوِياتِها، كالطَّير تَبقي مُتَداوِِماتِها يعني تنظر إليها.
وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وصلاة الليل: فبَقَيْتُ كيف يصلي النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وفي رواية: كراهة أَن يَرَى أَني كنت أَبْقِيه أَي أَنْظُره وأَرْصُده. اللحياني: بَقَيْتُه وبَقَوْتُه نظرت إليه، وفي المحكم: بَقَاه بعينه بَقَاوَةً نظر إليه؛ عن اللحياني.
وبَقَوْتُ الشيءَ: انتظرته، لغة في بَقَيْتُ، والياء أَعلى.
وقالوا: ابْقُهْ بَقْوَتَك مالَك وبَقَاوَتَك مالَك أَي احفظه حفْظَك مالَك.