مقاييس اللغة — ابن فارس (٣٩٥ هـ)

رأى (رَأَى) الرَّاءُ وَالْهَمْزَةُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى نَظَرٍ وَإِبْصَارٍ بِعَيْنٍ أَوْ بَصِيرَةٍ. فَالرَّأْيُ: مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ فِي الْأَمْرِ، وَجَمْعُهُ الْآرَاءُ. رَأَى فُلَانٌ الشَّيْءَ وَرَاءَهُ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ. وَالرِّئْيُ: مَا رَأَتِ الْعَيْنُ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رَيْتُهُ فِي مَعْنَى رَأَيْتُهُ وَتَرَاءَى الْقَوْمُ، إِذَا رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَرَاءَى فُلَانٌ يُرَائِي. وَفَعَلَ ذَلِكَ رِئَاءَ النَّاسِ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا لِيَرَاهُ النَّاسُ. وَالرُّوَاءُ: حُسْنُ الْمَنْظَرِ. وَالْمِرْآةُ مَعْرُوفَةٌ. وَالتَّرْئِيَةُ وَإِنْ شِئْتَ لَيَّنْتَ الْهَمْزَةَ فَقُلْتُ التَّرِيَّةَ: مَا تَرَاهُ الْحَائِضُ مِنْ صُفْرَةٍ بَعْدَ دَمِ حَيْضٍ، أَوْ أَنْ تَرَى شَيْئًا مِنْ أَمَارَاتِ الْحَيْضِ قَبْلُ. وَالرُّؤْيَا مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ رُؤًى.

مفردات ألفاظ القرآن — الراغب الأصفهاني (٥٠٢ هـ)

رأى رَأَى:(١) عينه همزة، ولامه ياء، لقولهم: رُؤْيَةٌ، وقد قلبه الشاعر فقال:
207- وكلّ خليل رَاءَنِي فهو قائل ... من أجلك: هذا هامة اليوم أو غد(٢) وتحذف الهمزة من مستقبله(٣) ، فيقال: تَرَى ويَرَى ونَرَى، قال: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً﴾ [مريم : 26] ، وقال: أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [فصلت : 29] ، وقرئ: أرنا(٤) . والرُّؤْيَةُ: إدراك الْمَرْئِيُّ، وذلك أضرب بحسب قوى النّفس: والأوّل: بالحاسّة وما يجري مجراها، نحو: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ [التكاثر : 6-7] ، ﴿وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ﴾ [الزمر : 60] ، وقوله: ﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ [التوبة : 105] فإنه ممّا أجري مجرى الرّؤية الحاسّة، فإنّ الحاسّة لا تصحّ على الله، تعالى عن ذلك، وقوله: ﴿إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف : 27] .
والثاني: بالوهم والتّخيّل، نحو: أَرَى أنّ زيدا منطلق، ونحو قوله: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال : 50] .
والثالث: بالتّفكّر، نحو: ﴿إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ﴾ [الأنفال : 48] .
والرابع: بالعقل، وعلى ذلك قوله: ﴿ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى﴾ [النجم : 11] ، وعلى ذلك حمل قوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى﴾ [النجم : 13] . ورَأَى إذا عدّي إلى مفعولين اقتضى معنى العلم، نحو: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [سبأ : 6] ، وقال: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ﴾ [الكهف : 39] ، ويجري (أَرَأَيْتَ) مجرى أخبرني، فيدخل عليه الكاف، ويترك التاء على حالته في التّثنية، والجمع، والتأنيث، ويسلّط التّغيير على الكاف دون التّاء، قال: ﴿أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي﴾ [الإسراء : 62] ، ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ﴾ [الأنعام : 40] ، وقوله: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ [العلق : 9] ، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ﴾ [الأحقاف : 4] ، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ﴾ [القصص : 71] ، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ﴾ [الأحقاف : 10] ، ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا﴾ [الكهف : 63] ، كلّ ذلك فيه معنى التّنبيه.
والرَّأْيُ: اعتقاد النّفس أحد النّقيضين عن غلبة الظّنّ، وعلى هذا قوله: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ [آل عمران : 13] ، أي: يظنّونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم، تقول: فعل ذلك رأي عيني، وقيل: رَاءَةَ عيني. والرَّوِيَّةُ والتَّرْوِيَةُ: التّفكّر في الشيء، والإمالة بين خواطر النّفس في تحصيل الرّأي، والْمُرْتَئِي والْمُرَوِّي: المتفكّر، وإذا عدّي رأيت بإلى اقتضى معنى النّظر المؤدّي إلى الاعتبار، نحو: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ﴾ [الفرقان : 45] ، وقوله: ﴿بِما أَراكَ اللَّهُ﴾ [النساء : 105] ، أي: بما علّمك. والرَّايَةُ: العلامة المنصوبة للرّؤية. ومع فلان رَئِيٌّ من الجنّ، وأَرْأَتِ الناقة فهي مُرْءٍ: إذا أظهرت الحمل حتى يرى صدق حملها.
والرُّؤْيَا: ما يرى في المنام، وهو فعلى، وقد يخفّف فيه الهمزة فيقال بالواو، وروي: «لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا»(٥) . قال: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ﴾ [الفتح : 27] ، ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ﴾ [الإسراء : 60] ، وقوله: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ [الشعراء : 61] ، أي: تقاربا وتقابلا حتى صار كلّ واحد منهما بحيث يتمكّن من رؤية الآخر، ويتمكّن الآخر من رؤيته. ومنه قوله: «لا تَتَرَاءَى نارهما»(٦) . ومنازلهم رِئَاءٌ، أي: متقابلة. وفعل ذلك رِئَاءُ الناس، أي: مُرَاءَاةً وتشيّعا. والْمِرْآةُ ما يرى فيه صورة الأشياء، وهي مفعلة من: رأيت، نحو: المصحف من صحفت، وجمعها مَرَائِي، والرِّئَةُ: العضو المنتشر عن القلب، وجمعه من لفظه رِؤُونَ، وأنشد (أبو زيد) :
208- فغظناهمو حتى أتى الغيظ منهمو ... قلوبا وأكبادا لهم ورئينا(٧)
ورِئْتُهُ: إذا ضربت رِئَتَ